قد يخطئ من يرى في إعاقته عائقا أمام نجاحه ونهاية لحياته، لأنّ الواقع أثبت أنّ الإعاقة الجسدية لم تحل يوما وتحقيق الآمال المسطّرة، إذ بالعكس قد تكون محفّزا لمنح صاحبها دفعا قويا للتفوق والنجاح. فكم من معاق تحدى إعاقته وقهر ظروفه مظهرا للعالم بذلك أنّ الإعاقة الحقيقية لا وجود لها إلاّ في العقول الضيقة المغلقة والأجساد الخاملة الكسولة التي لا تحرّك ساكنا، بغية النهوض بحياتها، كسب قوتها، تنوير عقلها وإخراجه من ظلمة حالكة لا نور يوجّهها والأمثلة كثيرة، فكم من حاملي شهادات عليا ذووي جنسية جزائرية هم من فئة المكفوفين والعاجزين عن الحركة، وكم من إطارات ومسيّرين ومسيرات لمؤسّسات لا ترى، لا تسمع ولا تتكلّم، لكنّها مع هذا تبدع في عملها، وقد يفوق إتقانها للعمل وإبداعها من يمتلكون السمع، النطق والبصر؟ وكم مسؤولا في مناصب مرموقة من ذوي الاحتياجات الخاصة باتوا اليوم من الحالات المميزة الداعية إلى الوقوف أمامها وقفة إجلال وتقديرا نظرا لإنجازاتها الخارقة وعطائها المتواصل في ميادين شتى؟ وكم من شاب رفع التحدي وصنع الفرجة في الرياضة التيا حقق في مجالها أبطال الجزائر نتائج مشرّفة خلال البطولة العالمية لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة التي جرت بليون بين 20 و28 يوليو 2013، هم رياضيون جزائريون من الشباب رفعوا علم الجزائر عاليا وشرّفوا البلاد في أكبر المحافل الدولية “فرنسا”، وقبلها “لندن” في الألعاب شبه الأولمبية، وقبلها “بكين” عام 2008، حيث أحرز الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة مراتب مشرّفة، حيث سررت شخصيا بزيارة بيت الرياضي الشاب بكيري منير، وهو أحد أبطال الجزائر في رمي الجلة الحاصل على الميدالية البرونزية في بكين، إذ لم تمنعه إعاقته من تسجيل اسمه في قائمة الأبطال، وأعرب لنا وقتها عن سعادته بفوزه وقهره لإعاقته التي لا يرى لها وجودا في حياته ما دام أنه سطر أهدافا سامية أوصلته إلى عالم النجاح والشهرة، فبفضل مثل هؤلاء الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة المسلّحين بقوة العزيمة والإرادة، صناع التحدي، تبوأت الجزائر المرتبة الأولى عربيا وإفريقيا في مجال ألعاب القوى ومجالات أخرى لا تقلّ أهمية. واحتفالا باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة المصادف ل 03 ديسمبر من كل عام، ندعو ونحن على مشارف عام 2014 المجتمع إلى التفتح والقضاء على النظرة السلبية المصوّبة نحو هذه الفئة الاجتماعية التي لا تقل شأنا عمن يمتلكون الحواس مجتمعة، لأنّ الأهمية لا تكمن في امتلاكها، إنّما في كيفية توظيفها! لذا فالإعاقة الحقيقيَّة ليست تلك المتمثلة في فقدان أهليَّة الحياة الطبيعية حتى وإن كان معناها لفظا، نطقا واصطلاحا ينطبق دائما على من أصيب بعاهة جسميَّة أو عقلية، إنّما الإعاقة الحقيقية هي التي تتجلى بوضوح في انسداد العقلِ، عَمى البصيرة وعجز الحواس، موتُ الأحاسيس وفقدان الضمير، فيصبح الإنسان بذلك معاقا بجهلِه المعطّل لإمكانياته، سير حياته وحياة من حوله، هذه هي الإعاقة الأكثر خطورة على مستقبل أفراد هذه الأمة....