أصدر الباحث مهني محفوفي مؤخرا، كتابا بعنوان "الشيخ الحسناوي: مغن جزائري، فكر وحرية" عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، تناول فيه لقاءه بالفنان قبل رحيله وزيارته له بجزيرة "سان بيار دو لا رينيون" الفرنسية حيث انعزل وزوجته بعد مغادرته لمدينة نيس، تاركا وراءه كل تاريخه الفني حتى ألحانه وأسطواناته... مهني محفوفي المختص في دراسة المجتمع والموسيقى الشعبية، تناول أيضا اشاعات الموت التي طاردت الفنان، في هذا الحوار يستعرض مع "المساء" علاقته بالشيخ الحسناوي والحديث الذي جمعه معه والأسباب التي دفعته إلى تأليف الكتاب. - كيف جاءت فكرة إنجاز كتاب حول الفنان الراحل الشيخ الحسناوي بشكل خاص؟ *اهتمامي بالشيخ الحسناوي يعود إلى ميولاتي البحثية باعتباري باحثا في الاجتماع والموسيقى الشعبية، هذا أولا، أما ثانيا، فلأنني نشأت في بيت يعشق الشيخ الحسناوي وأغانيه فأحببته أنا أيضا.. لكن بحثي عن الشيخ الحسناوي كان في البداية بهدف جمع معلومات حول فنه وفن الكثير من الأسماء التي عاشرها الشيخ خلال العشرينيات والثلاثينيات ولم يصلنا عنها الكثير، ومن ثم بدأت جمع المعلومات حول الشيخ فحصلت على تسجيلات إذاعية وحوارات، من بينها حوار أجري معه عام 1965 مع "إذاعة باريس"، كذب خلاله اشاعات وفاته آنذاك.. ومن ثم سعيت للقاء الفنان، فبحثت عن مكان تواجده.. علما أنه عندما غادر مدينة نيس انقطع عن الجميع، ولم يعد أحد يعرف عنه شيئا، وهذا ما دفعني إلى التوجه الى مؤسسة "صسام" الفرنسية الخاصة بحقوق الفنان، في البداية رفضوا اعطاء أي معلومات لكنني أصررت فعرفت أن الشيخ يعيش مع زوجته في جزيرة "سان بيار دولا رينيون" الفرنسية وذلك في 1999. - لكن المعروف أن زيارتكم للشيخ الحسناوي جاءت لتكذيب الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام في 1999؟ *صحيح، بعد حصولي على العنوان الشخصي للفنان بدأت الاستعداد للسفر اليه، وفي أكتوبر 1999 جاءت أول اشاعة حول وفاته فأردت التحري عن حقيقة هذه الإشاعة، وبعد جهد كبير استطعت الاتصال بجار الفنان الذي أكد لي أن الشيخ الحسناوي ما يزال حيا يرزق، وقد حرصت على ابلاغ وسائل الإعلام الجزائرية بذلك، بعدها توجهت الى الجزيرة لملاقاة الفنان، ورغم الخوف الذي كان يعتريني بسبب الأفكار التي كانت لدي، وخشيتي من أن يرفض رؤيتي لأنه لا يعرفني، فإن العكس هو الذي حصل، لقد وجدت رجلا متواضعا في ال90 من عمره، حدثني باللغة الأمازيغية والعربية، أبلغته بأن هناك الكثيرين من الشبان والشابات الجزائريات الذين يعرفونه ويحبون ويحفظون أغانيه، فكان جوابه "ليس في سن ال90".. اكتشف أن له أصدقاء، "لقد فات الوقت". عدت الى الجزائر وحملت معي فيلما مصورا عن الشيخ الحسناوي في بيته مع زوجته، وقدمته خلال نشرة اخبارية بالتلفزة الجزائرية رفقة الصحفي شريف معمري كذبت فيها كل الإشاعات. - نعود الى كتابكم الجديد "الشيخ الحسناوي، مغن جزائري، فكر وحرية"، عن ماذا تحدثتم في هذا الكتاب؟ * هذا الكتاب هو رابع مؤلف أصدره حول موسيقى التراث الجزائري، وقد أصدرت هذا الكتاب أولا في فرنسا في 29 ماي الماضي بدار "إيس براس"، ورغبة مني في تقريب هذا المؤلف من القارئ الجزائري سعيت الى اصداره مع المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. الكتاب ليس دراسة علمية أكاديمية، لكنه ثري بالمعلومات والكثير من الأشياء التي كنا نجهلها عن الشيخ الحسناوي، ضمنت الكتاب الحوارات والحديث الذي جمعني بالشيخ خلال الزيارات الأربع التي قادتني الى جزيرة (لا رينيون) ثم وفاته ومراسيم دفنه التي صورتها أيضا.. الكتاب يضم جزءين خصصت الأول لإبراز بداية التفكير في البحث عن الحسناوي ثم صعوبة الوصول اليه، فاللقاء ومختلف الأحداث التي جمعتني معه.. أما الجزء الثاني فقد أوضحت فيه لماذا اعتبر الشيخ الحسناوي مصدر للمعرفة والحرية وشاهدا على عصره، وواحدا من أعمدة الفن القبائي في الجزائر، الشيخ الحسناوي لا يملك 17 أغنية بالعربية و29 بالأمازيغية، بل كتب ولحن وغنى 74 أغنية كما كان أول من غنى باللغتين العربية والفرنسية.. الكتاب ضم أيضا مجموعة من الصور النادرة للفنان مع أصدقائه وزوجته "دنيس خلواط". - لكن لماذا التأخر في إصدار الكتاب الذي بدأ مشروعه في 1999 ثم وفاة الشيخ في 2002، ونحن في 2008؟ *ولا، لأنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع المعلومات الذي جمعتها إذ كنت متخوفا من عدم نقل ما قاله لي الشيخ بأمانة، كذلك ترددت في اصدار هذا الكتاب لأنني نوعا ما فشلت في تقريب هذا الرجل العظيم من جمهوره ولم أستطع أن أحقق أمنية استضافته في باريس من أجل تكريمه قبل وفاته، كما أنه كان من المفترض أن يحصل على حقوقه من الديوان الوطني لحقوق المؤلف قبل وفاته ليحيا حياة كريمة هو وزوجته، لكن هذا لم يحدث. - وما مصير الفيلم الذي صورته، ألم يطلبه التلفزيون الجزائري؟ * في الحقيقة لا أريد أن أدخل في هذا النزاع، لكن عندما اقترحت الشريط على التلفزيون الجزائري رحبوا به، لكنني عندما طلبت أن تسدد على الأقل كلفة سفرياتي الى جزيرة (لا رينيون) رفضوا وأرادوا الحصول على العمل مجانا.. لذلك عندما تلقيت خبر وفاة الشيخ، أكدت أن كل ما فعلته من لقاءات كان دون جدوى بالنسبة له.