يعتقد الكثير من الشباب ممن تراوده فكرة اقتحام عالم الفن، أنّ أسهل طريق إلى النجومية والأضواء والشهرة وكسب المال -وهذا هو الأهم- هو تبني الأغاني الهابطة؟ في حين أنّ المشايخ المحنكين الذين شقوا طريقهم وحقّقوا أمانيهم، ورسمت شهرتهم جودة أعمالهم في مجال الفن الأصيل، يؤكدون أنّ الأمر لم يكن قطعا كذلك، لأن العطاء المخلّد حسب رأيهم لم يأت عبثا، إذ تحقّق بالتمسّك بالخلق القويم والدراسة والمثابرة، هؤلاء من عرفوا بالعمالقة الذين صقلت مواهبهم العناية والتربية، فالفن عندهم أولا وقبل كل شيء “أخلاق” فزودوه بها وجعلوه وسيلتهم الناجعة للدفاع عن القضايا المصيرية فمرّروا عبره رسائل إنسانية وتربوية هادفة، دخلت بيوت أسر مهدّدة بالزوال فرمّمتها وتسلّلت لقلوب أناس عديمة الإحساس فزعزعتها وردّت إليها آدميتها ومشاعرها ولامست يأس المتذمرين فأحيت الأمل فيهم، وجالست المنحرفين فقوّمتهم وأعادتهم إلى جادة الصواب وفعل هؤلاء العمالقة أكثر من هذا، حيث ساهموا بفنّهم في تماسك الأسرة والمجتمع والوطن بدعوتهم للمحبة، المودة والتصالح مع الذات، مصالحة الآخر، العفو والتسامح، فكسبوا بذلك احترام واهتمام الجماهير التي التفّت ولازالت ملتفّة حولهم إلى يومنا هذا، تترقّب أخبارهم وتتهافت لرؤيتهم وسماع جديدهم وتترحمّ على من فقدوا، وتحنّ في كل حين لزمن الفن الجميل الذي رسمه رقي أخلاقهم وسمو إبداعاتهم.. أمّا اليوم فما أكثر الفنانين الجدد على الساحة ورغم كثرتهم لا أثر نجده لعمل هادف تصقله الأخلاق فكلّ ما يقدّم هدفه، التهويل والرقص والإنحلال؟ وهذا أصبح يذر الكثير من المال وعليه كل ما بات يهمّ غالبية الشباب هو إنتاج الأغاني الساقطة، الراقصة المثيرة للغرائز التي لا تحترم لا أعراف ولا تقاليد ومبادئ، والتي للأسف احتضنتها الكثير من الأسر الجزائرية التي جرفها تيار الموجة الهابطة، فباتت الأغاني المنحلة مطلوبة في المناسبات والأعراس؟ فغزت بذلك الرداءة الفن وأنحل المجتمع وبدأ يفقد رويدا، رويدا مبادئه وتماسكه بعد أن انحرفت وجهة الفن وضيّعت رسالته التي كانت فيما مضى أساسها الأخلاق لا قلة الأخلاق..