أصبحت شبه جزيرة القرم، بداية من يوم أمس، جمهورية تابعة لفيدرالية روسيا، تنفيذا لنتيجة استفتاء سكان هذا الإقليم بالعودة إلى السيادة الروسية بعد ستين عاما من السيادة الأوكرانية. ولم ينتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوى ساعات لتوقيع معاهدة ضم الجزيرة إلى بلاده في تحد واضح للدول الغربية التي سعت طيلة أسابيع من أجل أن ثنيه عن الإقدام على مثل هذه الخطوة التي اعتبرتها العواصم الغربية بالخطيرة على مستقبل علاقاتها مع موسكو. وتمت مراسم التوقيع مع سلطات القرم خلال حفل رمزي نظم بمقر الكريملين ويضع بذلك حدا لأزمة بدأت بتجمع شعبي في ساحة الميدان في قلب العاصمة الأوكرانية كييف، منتصف الشهر الماضي، ضد نظام الرئيس فيكتور ايانوكوفيتش الموالي لموسكو وانتهى في أقل من شهر إلى اقتطاع جزء "استراتيجي" من هذه الجمهورية والحاقه بفيدرالية روسيا. وجسد الرئيس بوتين بذلك نتائج الاستفتاء الذي شهدته شبه جزيرة القرم، نهار الأحد، وعرف فوزا ساحقا لأنصار الانضمام إلى بلاده بعد خطاب ألقاه، أمس، أمام نواب البرلمان الروسي وحكام المقاطعات وأعضاء الحكومة الروسية. وقال الرئيس الروسي في خطابه، أمس، والذي انتظرته الدول الغربية بترقب كبير في رسالة قوية باتجاه هذه الأخيرة أن "القرم كانت وستبقى في قلب كل الروس وجزءا لا يتجزأ من روسيا. وإذا كان الرئيس الروسي ابتهج بهذا الحدث التاريخي بالنسبة لبلاده فإنه طمأن في المقابل أنه لن يعمل على تفكيك الوحدة الأوكرانية في إشارة الى رفضه ضم مناطق أخرى في هذا البلد وتقطنها أغلبية ناطقة بالروسية وتشعر بالولاء لموسكو أكثر منه إلى كييف. ولم يفوت الرئيس بوتين مناسبة خطابه ليحذر الدول الغربية وقال إنها تجاوزت الخطوط الحمراء وتعاملها مع بلاده بطريقة غير مسوؤلة في الأزمة الأوكرانية والتلميح واضح باتجاه العقوبات التي أقرتها هذه الدول ضد روسيا وضد شخصيات سياسية فاعلة في بلاده والتي قال إنها تعاملت معها بمنطق قانون الأقوى. وكشف الرئيس الروسي عن حسرة دفينة على اقتطاع هذه الجزيرة من بلاده باتجاه أوكرانيا وقال في خطابه أن «القرم عندما وجدت نفسها تحت سيادة دولة أخرى لم تشعر روسيا أنها سرقت ولكن نهبت" في إشارة الى قرار الرئيس السوفييتي الأسبق نكيتا خروتشوف الذي قبل سنة 1954 بضمها الى أوكرانيا. وجعله ذلك يؤكد أنه ما كان يقدر على ترك القرم وسكانها في المعاناة وإلا كان ذلك بمثابة خيانة تجاه سكانها. وعلى نقيض المقاربة التي دافع عنها الرئيس الروسي فقد استنكر نائب الرئيس الامريكي جو بايدن ما قامت به روسيا في القرم واعتبر ذلك بمثابة سطو على إقليم وهدد موسكو بعقوبات أشد. وانتقل نائب الرئيس الامريكي إلى فارسوفيا البولندية على جناح السرعة على خلفية التطورات الأوكرانية وقال إن روسيا قدمت حججا واهية لتبرر استيلائها على إقليم لا يتبعها. قبل أن يضيف أن مواصلة روسيا في هذا الخط لن يزيد إلا في عزلتها سياسيا واقتصاديا. ولكن تهديدات المسؤولين الأمريكيين لم تزد السلطات الروسية والرئيس بوتين تحديدا إلا إصرارا على إتمام هذه الخطوة وقد وجدت كل المبررات لتحقيق أمنيتها في استعادة ارض تعتقد أنها أرضها وراحت تتهكم على العقوبات الغربية وقالت أنها مجرد مسخرة. وأكدت كل القرارات الغربية المتخذة إلى حد الآن ضد روسيا أنها غير ذات جدوى في أزمة شكلت تحديا حقيقيا لها ولكنها لم تجد طريقة لردع موسكو ومنعها من تنظيم الاستفتاء الذي كانت نتيجته محسومة حتى قبل موعده. وعكست هذه المواقف درجة الوهن الذي انتاب مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفشلها في إقناع السلطات الروسية بعدم السعي الى تنظيم استفتاء القرم. فبينما دعا الرئيس الامريكي إلى عقد قمة لمجموعة السبعة بلاهاي الهولندية، اكتفت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بالقول إن ضم القرم فعل يتنافى مع القانون الدولي في وقت طالب فيه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الدول الغربية بإعادة النظر في علاقاتها مع موسكو بدعوى انها هي التي اختارت عزل نفسها. ولم يتعد الخيار الردعي الذي اقترحه الوزير البريطاني مجرد الدعوة إخراج روسيا من مجموعة الثماني والتي ينتظر أن تعقد قمتها بمدينة سوتشي الروسية شهر جويلية القادم بالإضافة إلى إنهاء كل تعاون عسكري معها. وحتى الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، اقتصر رده بالتنديد بقرار الضم ولم يجد من اقتراح سوى دعوة نظرائه الى اتخاذ "رد أوروبي قوي ومنسق".