غادر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس، العاصمة السعودية الرياض، بعدما شارك في أشغال القمة الثالثة لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك)، التي اختتمت أشغالها بالمصادقة على بيان ختامي يلزم الدول الأعضاء بمواصلة تموين سوق النفط بشكل "كاف وآمن"· والتزمت دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبيك" أمس، بالاستمرار في تزويد السوق العالمية للنفط بالكميات الكافية وبطريقة آنية بما يسمح بالاستجابة لاحتياجات الدول المستهلكة، لكنها لفتت الانتباه بالمقابل إلى أهمية توفر عوامل السلام العالمي لضمان استقرار الأسواق للتمكن من دعم الاستثمارات في قطاع الطاقة· كما أعرب قادة البلدان الأعضاء ال13 ومن بينها الجزائر عن رغبتهم في تموين السوق مع حماية حق البلدان المنتجة في عائدات "مقبولة ومستقرة ومنصفة" ·وأكد البيان الختامي على الدور الرئيسي الذي يلعبه النفط في اقتصاديات البلدان الأعضاء وعلى الصعيد العالمي، مبرزا ضرورة استقرار سوق النفط لحماية موارد تنميتها الاقتصادية وتقدمها الاجتماعي· وما ميز هذا البيان هو عدم تطرقه بصفة مباشرة إلى مسألة الأسعار، لكنه أكد حق الدول المنتجة للنفط وكذا الشركات المستثمرة في هذا القطاع بالحصول على مداخيل "مقبولة، مستقرة وعادلة" · وكان العاهل السعودي الملك عبد الله قد تطرق إلى مسألة الأسعار في خطابه بالقمة عندما أشار إلى "أنها تبقى دون الأسعار التي سجلت مطلع الثمانينات من القرن الماضي إذا ما أخذنا التضخم في الحسبان"· ولم يتطرق البيان كذلك إلى مسألة رفع الانتاج وفضل أعضاء الأوبيك تأجيل بحث القضية في الاجتماع الوزاري المقبل في 5 ديسمبر بأبو ظبي لاتخاذ قرار بهذا الشأن رغم أن كل المراقبين يستبعدون الإعلان عن زيادات أخرى· ولدى تطرقها إلى قضية حماية البيئة التي شغلت حيزا هاما من قمة الرياض على غير العادة ربما لكونها أصبحت "موضة" بعد إدراك العالم لحجم الخطر الذي يمثله الاحتباس الحراري فإن دول الأوبيك عبّرت عن تأييدها لتطوير التكنولوجيات التي تسمح بإنتاج ما يسمى ب"البترول النظيف"، لاسيما من خلال التقليل من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن حرق البترول والغاز· وكانت أندونسيا قد اقترحت في هذا السياق إنشاء صندوق لحماية الغابات يمول عن طريق تخصيص 50 سنتا من كل برميل نفط يباع من طرف بلدان الأوبيك التي تنتج حوالي 30 مليون برميل يوميا· لكن يبدو أن الاقتراح السعودي بانشاء صندوق لحماية البيئة لاقى الاستجابة بعد أن قررت كلا من الكويت والإمارات العربية المتحدة تحويل 300 مليون دولار الى الصندوق الذي سترتفع محتوياته بذلك إلى 600 مليون دولار· وستوجه هذه المبالغ إلى دعم برنامج تمويل البحوث العلمية حول الطاقة والبيئة وكذا التغيرات المناخية، كما أكد عليه العاهل السعودي الملك عبدالله الذي أعلن عن تحويل المملكة السعودية لمبلغ 300 مليون دولار لدى إعلانه عن إنشاء الصندوق· وإذا كانت هذه القرارات أهم ما اتفق عليه قادة دول المنظمة في قمتها الثالثة، فإن هذه الأخيرة شهدت اختلافات في الرؤى حول كيفية توظيف واستخدام "سلطة النفط" التي أصبحت أوبيك تملك زمامها أكثر من أي وقت مضى· وظهر الاختلاف بصفة خاصة في خطابي العاهل السعودي والرئيس الفنزويلي، فالأول حين دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تفادي جعل النفط "كأداة نزاع" والتعامل بحكمة مع أثر النفط على الإقتصاد العالمي، معتبرا بأن النفط "يعد وسيلة تنمية وتشييد ولا ينبغي أن يصبح أداة نزاع"· وقال العاهل السعودي أن "منظمتنا تبنت دوما نهج الحكمة والاعتدال ولطالما أقامت جسور الحوار مع البلدان المستهلكة" · مطالبا بتوخي تصور "علمي وعقلاني" لأثر استعمال الطاقة المستحجرة على المناخ وعلاقتها بالاحتباس الحراري باعتبار أن التقارير التي أعدت في هذا الشأن "تحتمل الخطأ والصواب"· أما هوغو شافيز فاعتبر أنه ينبغي على المنظمة "الإسهام أكثر في الكفاح الجيو سياسي لصالح الشعوب المضطهدة والعدالة في العالم"· ولم يتردد الرئيس الفنزويلي في القول "أود أن تسود روح قمة الجزائر المنعقدة سنة 1975 اليوم أيضا في منظمة الأوبيك"، في إشارة إلى تأييدها خلال السبعينيات الشعوب التي كانت تكافح الفوارق الاجتماعية والظلم· وأضاف "يجب أن تكون منظمة الأوبيك عاملا فاعلا على الصعيد الجيو سياسي وتطالب كما كان الشأن بالجزائر "بوقف الاعتداء على هذه المنظمة لأن الأمر يتعلق حقا باعتداء"· وبصراحته وجرأته المعهودة خاطب شافيز الحاضرين بالقول "انظروا ما حدث في العراق ألا يُعد النفط سببا لكل النزاعات التي خلقتها الأمبريالية في العالم" ثم حذر "إذا ما شنت الولاياتالمتحدةالأمريكية حربا على إيران أو فنزويلا فسيرتفع سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل"، مؤكدا على إرادة هذه المنظمة في العمل "من أجل الاستقرار في العالم والمساهمة في التنمية العالمية وبناء عالم أفضل"· فهذا الاستقرار-كما أضاف- ضروري للمنظمة لتأمين الإمدادات اللازمة من النفط للدول المستهلكة وضمان استقرار أكبر لأسعار الخام، وهو ما جعله يدعو الدول الكبرى إلى "احترام الأوبيك وشعوبها إن كانت ترغب في الإبقاء على السوق النفطية مستقرة"· يُذكر أن الأوبيك التي أنشئت سنة 1960 تضم كلا من الجزائر والمملكة العربية السعودية وأنغولا والإمارات العربية المتحدة وأندونيسيا والعراق وإيران والكويت وليبيا ونيجيريا وقطر وفنزويلا والإيكوادور البلد الذي انضم رسميا إلى المنظمة خلال هذه القمة بعد انسحابها منذ 15 سنة. *