تحولت كنيسة القديس أوغستين، الواقعة أعلى هضبة بوخضرة، والمطلة على الساحل، بمدينة عنابة، شرقي الجزائر، إلى تحفة فنية بامتياز، بعد عمليات الترميم والصيانة التي خضعت لها، طيلة 32 شهرا، شارك فيها مهندسون وخبراء من إيطالياوالجزائر، وفنيون معماريون مختصون في البناء العريق الذي يمزج بين الأسلوب العربي المغاربي والبيزنطي الروماني. عمدت السلطات الجزائرية بالتنسيق مع الجمعية الأبرشية للجزائر وأسقف مدينتي قسنطينةوعنابة، الأب بولس ديفارج، إلى برمجة أشغال صيانة كبرى للكنيسة، بفعل تعرضها للتدهور الناتج عن عوامل الزمن، وتمت في الفترة بين نوفمبر 2010، وجوان 2013 بتكلفة قدرها 500 مليون دولار، حسب السلطات ساهمت في ميزانيتها عدة هيئات وطنية ومؤسسات عمومية وخاصة، فضلا عن سفارات أجنبية بالجزائر ومساهمة شخصية لبابا الفاتيكان فرانسيس. وعمدت السلطات الجزائرية، إلى إعادة الاعتبار لهذه الكنيسة الضاربة في أعماق التاريخ، لكونها ذاكرة مدينة ”هيبون” عنابة حاليا، وذاكرة للقديس أوغستين الذي كان أسقفا لمدينة هيبون من عام 395 إلى 430 ميلادية، والمولود عام 345 م، بمنطقة تاغست (سوق أهراس حاليا)، فضلا عن اعتبارها واحدة من أهم المعالم الثقافية والحضارية وواحدة من رموز التعايش الديني بين الإسلام والمسيحية، كما تعتبر قلعة سياحية تستقطب سنويا ما لا يقل عن 18 ألف سائح من مختلف أصقاع العالم، وتعد منارة علمية وصرحا دينيا يحج إليه الآلاف من الطلبة من مختلف الجامعات من داخل الوطن وخارجه حسب السلطات المحلية بعنابة. وتستعد كنيسة القديس أوغستين لاستقبال عدد كبير من السائحين بداية من ربيع العام الجاري 2014، ويقول راهب بالكنيسة رفض ذكر اسمه ”بعد مشروع الترميم والصيانة الضخم والتاريخي الذي خضعت له الكنيسة الكاثوليكية أوغستين بعنابة، نحن نستعد لاستقبال نحو 25 ألف سائح خلال العام الحالي”، وأضاف ”نحن نتعايش هنا بسلام مع إخواننا المسلمين، نتقاسم معهم الأفراح والأحزان اليومية، كما نتقاسم الخبز والملح، في كنف المحبة والأخوة والصداقة، فمنذ قرون طويلة ترقد روح القديس والأب الأول للكاثوليك في الجزائر أوغستين هنا بشرق الجزائر وكنيسته التي بنيت للحفاظ على تراثه وإشعاعه الثقافي والحضاري عام 1900، تضم رفاته بداخلها”، وأشار إلى أنه ”على الرغم من أن الجزائر دولة مسلمة وترفع شعار الإسلام دينا لها، إلا أننا نعيش معهم في مودة في إطار احترام متبادل بين الديانة المسيحية والإسلام على الرغم من الانتكاسة التي عرفتها الكنيسة خلال سنوات التسعينيات وفترة الإرهاب بالجزائر وكذا خلال المرحلة التي تلت استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي”. ووصف المتحدث كنيسة القديس أوغستين ب«الإرث الثقافي والديني الكبير لأتباع المسيحية الكاثوليكية عبر العالم فضلا عن أنها كنز سياحي ومعلم حضاري عريق يدل على أصالة الجزائر”. ويعتبر الأشخاص والعائلات من السياح القادمين من داخل الجزائر ومن خارجها كنيسة القديس أوغستين بعنابة، معلما لا بد من زيارته عند زيارة هذه المدينة، لأنه من غير المعقول زيارة عنابة من دون الوقوف والاطلاع على هذا المعلم الحضاري العريق. ويعود تاريخ بناء الكنيسة الكاثوليكية ”أوغستين” بعنابة لعام 1880 واستمر إنجازها عشرين عاما، لغاية تدشينها سنة 1900، ويسجل التاريخ فضل ذلك للكاردينال لافيجري الحاكم الفرنسي بالجزائر في تلك الفترة، وتولى عملية البناء مهندس يدعى الأباتي الذي نجح في وضع مخطط معماري وفني رائع للكنيسة، جمع بين أساليب البناء المختلفة، ما جعل منها صرحا وقلعة تحمي مدينة هيبون من أعالي قمة هضبة بوخضرة، واستعمل في بنائها الرخام الأبيض والمرمر الأحمر والخشب الصلب، ما جعل منها تحفة فنية ومعمارية رائعة تستحق الإعجاب والتقدير. وتتكون كنيسة القديس أوغستين، من قاعة كبيرة للصلاة، ومحراب أيمن صغير للسيدة مريم العذراء، فضلا عن محراب كبير يضم ضريح القديس أوغستين، ومحراب أيسر يعتبر مصلى ليوسف عليه السلام وعيسى عليه السلام، إلى جانب بيت الكاهن وأجنحة أخرى، وكذا مدرسة وملجأ لكبار السن يأوي العشرات من الشيوخ والعجائز القادمين من مختلف الولايات المجاورة لمدينة عنابة، تسهر على خدمتهم ورعايتهم أخوات مسيحيات وبعضهن من المسلمات.