مما ورد في السيرة النبوية عن الإمارة والخلافة ما رواه أبو موسى رضي الله عنه الذي قال: ”دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين أمِّرْنا يارسول الله، وقال الآخر مثله فقال: إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه”. وقال المهلب في ذلك: ”الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سُفكت الدماء واستُبيحت الأموال والفروج وعظُم الفساد في الأرض، ويستثنى ذلك من تعين عليه”. وذكر النووي رحمه الله في رياض الصالحين ”النهي عن تولية من طلب الإمارة أو حرص عليها”. وعند انطلاق ثورتنا المظفرة جعل الشهيد العربي بن مهيدي من هذا الحديث قاعدة في تولي المسؤولية، حيث قال مقولته الشهيرة ”طالب المسؤولية خائن ورافضها خائن”، وعند الاستقلال رُسخت مقولة ”المسؤولية تكليف وليست تشريفا”. وفي عهد الديمقراطية، يحق لكل من يرى في نفسه الأهلية لتولي منصب المسؤولية وتسيير شؤون الأمة أن يتقدم للترشح، ويترك الحكم للشعب من خلال ما يفرزه الصندوق. ويفترض في كل مترشح حين تقديم ترشحه أنه مؤمن بالقواعد الديمقراطية، التي تنص على الالتزام بالدساتير والتشريعات التي تنظم العملية الانتخابية، من مرحلة الترشح إلى إعلان النتائج الرسمية. ويفترض أيضا عند الذين يؤمنون بالديمقراطية، التسليم بأن الشعب سيد في حكمه، ومادام الاقتراع سريا، فالثقة تكون في نتائج الصندوق، لا فيما يقال في الشارع من أناس قاطعوا العملية من أولها، وإذا كان هناك من يطالب بالتغيير جهرا، فليس معناه أنه مقتنع بأطروحات الذين يحملون راية التغيير، فقد يقطاع أو يشارك، وإن شارك فقد يصوت بالورقة البيضاء أو يختار ”حلو الأمرين”، وفي هذه الحال تسقط شماعة التزوير. أما المطالبون بالتغيير والمرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي، فالوقت مناسب لأن يشرعوا في ترسيخ هذه المبادئ التي يطالبون بها ضمن قواعدهم، عملا بمنهج رائد الإصلاح والنهضة في الجزائر، الشيخ عبد الحميد ابن باديس، الذي يبدأ من القاعدة إلى القمة، وكانت البداية بالنشء من خلال مدارس الجمعية وأفواج الكشافة ولخص منهجه في قصيدة شهيرة تحت عنوان ”يا نشء أنت رجاؤنا”. أما اليوم فالرئيس أدى اليمين الدستورية والأمن مستتب ومؤسسات الدولة قائمة، وتؤدي وظائفها على أحسن وجه، فلم ندخل البلد في متاهات نحن في غنى عنها.