جدّد أمس، الدكتور بوزيد بومدين، مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، التأكيد على أنّ ما يحدث في غرداية لا علاقة له بالمذاهب لأنّه رغم الاختلاف إلاّ أنّه غير جوهري، فالجوهر الحقيقي هو الانتماء للوطن في ظلّ وحدة فكرية ومذهبية، مشيرا إلى وجود من يحاول خلق البلبلة في منطقة غرداية، مستغلا بعض الخصوصيات وفق أجندة أجنبية، وأكّد أنّ مهمة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، هي إرساء تقاليد وحلقات للعلم والمعرفة بعيدا عن الصراعات مهما كانت طبيعتها. الدكتور بوزيد، وخلال تمثيله لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، في انطلاق الملتقى الوطني الثاني لأعلام الجزائر بعنوان "أعلام الجزائر معا.. من أجل الإسلام والوطن"، أضاف أنّ مساعي الوزارة هي جزء من محاولة دفع للجانب العلمي من منطلق ضرورة الاهتمام بالنخب العلمية التي تقود الأمة دون نكران النخب الأخرى، وأشار إلى أنّ تنظيم مثل هذه اللقاءات التي خصّص عددها الثاني لعَلمين من أعلام الجزائر الشيخ محمد بن عبد القادر شارف، والشيخ الناصر بن محمد مرموري، يندرج ضمن عمل الوزارة على إعطاء معنى للخصوصية الجزائرية، وقال "ما يحدث في غرداية ليست له صبغة دينية ولكن له علاقة بالنسيج السكاني والبعد الاقتصادي التي ربّما تستغلها مختبرات العنف". مدير الثقافة الإسلامية، اغتنم فرصة هذا اللقاء الذي احتضنته "دار الإمام" ونظّمه المركز الثقافي الإسلامي للتوقّف عند مبادرات إحياء مآثر علمائنا وصلحائنا لأداء مهمتين، الأولى علمية والثانية وطنية تتمثل في التعريف وخلق وعي جديد لدى الشباب بمناقب أجدادهم، وأوضح أنّ أغلب النشاطات واللقاءات المنظمة مدرجة في إطار الدفاع عن الهوية الدينية ليس من باب التعصّب، وإنّما من باب الحفاظ على تراثنا ونمط الخصوصية في الهوية، وعما ورثناه من تراث مذهبي. ودعا الدكتور بوزيد، إلى خلق وعي جديد حتى لا نكون اتباعيين لما يبث في مختلف وسائل الإعلام والتواصل، وقال "الارتباط الحقيقي هو الارتباط بخصوصيتنا مع التجديد والاجتهاد، ونحن محتاجون لفكر وفقه التعايش لصناعة وعي جديد عماده الوطن قبل المذهب، الوطن قبل العصبية، الوطن قبل الغنيمة، فالوطن والوطنية يجمعان الجميع"، مشدّدا على ضرورة أن نحمي حدودنا الثقافية والحضارية لأنّنا بحاجة لحماية فكرنا مثلما نحتاج للأمن الفكري والسياسي والتنموي الشامل في خضم تهديدات إقليمية وعالمية، ووضع مقلق على حدودنا، وأضاف "نحتاج لمراجعة خطابنا المجتمعي والوعظي وكذا المسجدي لصدّ العنف والتوجّه نحو خطاب جديد ووعي جديد". «جلسات دار الإمام سيدي عبد الرحمان الثعالبي"، التي حملت هذه المرة شعار "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، جاء عددها الثاني للاحتفاء بمآثر وإسهام الشيخين محمد بن عبد القادر شارف، والناصر بن محمد مرموري، وفي هذا الشأن أكّد الأستاذ عمر بن إبراهيم بافولولو، مدير المركز الثقافي الإسلامي، أنّ من مهام المركز ترسيخ الانتماء الحضاري للشباب والإسهام في حماية الشباب من الانحراف السلوكي والنفسي والاجتماعي، علاوة على تهيئة جيل يحمل هوية سوية منفتحة مع إرساء ثقافة الحب والاحترام. وفي سياق متصل، أوضح الشيخ تواتي بن تواتي، من جامعة الأغواط، أنّ الاحتفاء بعلمين من أعلام المذهبين المالكي والإباضي يعدّ مبادرة حميدة، والوقوف عند مسيرتهما شيء مهم، حيث أنّهما قاما بواجبهما تجاه الأمة وخدما الدين بإخلاص. ومن باب معرفته بالشيخ مرموري، تحدّث عن أهم المحطات التي أثّثت مسيرته العلمية والإصلاحية وعدّد خصاله ومآثره، حيث أكّد أنّه رجل متواضع وصاحب علم غزير قلّما توفّر في رجل مثله، فهو موسوعي بمعنى الكلمة. وأبدى الشيخ بلحاج شريفي من جهته، استحسانه لهذا اللقاء الذي يعدّ حفل وفاء لعلمائنا، وقال "نحن أوفياء للّه أولا ثمّ أوفياء لمشايخنا الذين أوصلوا لنا هذا الدين"، مشيرا إلى أنّ الحديث عن الشيخين الكريمين حديث يطول، فالشيخ شارف وفيّ كريم بخصاله، أمّا الشيخ مرموري، فكان وفيا مجاهدا في سبيل اللّه ناشرا للأخوّة الإسلامية داخل وخارج الوطن. للإشارة فإنّ ملتقى "أعلام الجزائر معا.. من أجل الإسلام والوطن"، الذي يختتم اليوم، شهد يوم الأوّل تخصيص جلستين علميتين، الأولى حول "الحياة الشخصية والعلمية للشيخين محمد شارف والناصر مرموري"، والثانية حول "الثوابت الوطنية في منهج الشيخين محمد شارف والناصر مرموري"، وتمّ خلالهما التطرّق إلى "عصر الشيخين محمد شارف والناصر مرموري، جوانب التأثّر والتأثير"، "الحياة الشخصية والعلمية للشيخ محمد شارف"، "الحياة الشخصية والعلمية للشيخ الناصر مرموري"، وكذا "التعايش والتعاون بين المذهبين المالكي والإباضي، نماذج من تاريخ الجزائر(الدولة الرستمية نموذجا)"، "الثوابت الوطنية في منهج الشيخ محمد شارف"، و"الثوابت الوطنية في منهج الشيخ الناصر مرموري". ومن المرتقب أن يتمّ اليوم استعراض البعدين الروحي والعلمي في منهج الشيخين محمد شارف والناصر مرموري عبر ثلاث مداخلات هي "التزاوج بين البعد الروحي والبعد العلمي في منهج علماء الأمة"، "البعد الروحي والبعد العلمي في منهج الشيخ محمد شارف" وأيضا "البعد الروحي والبعد العلمي في منهج الشيخ الناصر مرموري". وللتذكير، فإنّ الشيخ الناصر بن محمد مرموري مِن مواليد بلدية القرارة ولاية غرداية، في 7 جانفي 1927، تلقّى مبادئ التعليم الابتدائي في مسقط رأسه بمدرسة الحياة، وفي سنة 1942 استظهر كتاب اللّه العزيز ثمّ التحق بمعهد الحياة، فتلقّى تعليمه على يد جملة من الأساتذة وبخاصّة المعلّمين الفذّين الشيخ بيّوض والشيخ عدون رحمهما اللّه، ولم يتلقّ شيئًا من العلم عن غيرهما إلاَّ من عصاميته التي سوّدته عَلما بين الأعلام وعلّمته الكرّ والإقدام. في 1 أكتوبر سنة 1947، رشّحه شيخه الشيخ بيّوض، رحمه اللّه للتدريس في "معهد الحياة"، واستمرّ في تحمّل هذه الرسالة النبيلة والشاقّة إلى يوم وفاته طيلة 65 سنة كاملة، فكان بذلك أقدم أستاذ في معهد الحياة، وفي سنة 1962 انتدبه الشيخ بيّوض، لرئاسة البعثة العلمية العمانية في القاهرة، التي استمرّت ثلاث سنوات عاد بعدها إلى رحاب "معهد الحياة" ليواصل رسالته مع ثلّة مباركة من الأساتذة، وفي سنة 1971 انضمّ إلى حلقة العزّابة في القرارة، فكان مثالا للنشاط والتضحية والقيام بأعظم أعباء المسجد الجسام وأجلِّها، مسؤولية الوعظ والتوجيه والإرشاد· في سنة 1979 عيّن الشيخ بيّوض رحمه اللّه الشيخ الناصر بن محمد مرموري، خلفا له على منبر الوعظ في المسجد فقام به أحسن قيام، عمَّر بصوته الشجي كلّ ناد، وغمر بنصحه النديِّ كلّ واد، وفي سنة 2004 عيِّن شيخا لحلقة العزّابة ورئيسا لها بعد وفاة الشيخ عدون، باعتباره أعلم وأفقه عضو فيها. ويعتبر الشيخ الناصر بن محمد المرموري، عضوا حيويا في مجلس (عمِّي سعيد) الهيئة الدينية العليا المشرفة على مساجد الإباضية في وادي ميزاب ووارجلان، مرجع من مراجع الإفتاء في القرارة ووادي ميزاب والجزائر والعالم الإسلامي، كما يعتبر شيخا لندوة الشيخ عبد الرحمن البكري، وعمدة الفتوى فيها بعد وفاة مؤسسها 1986م. وللشيخ الناصر المرموري عدّة مشاركات في عدّة ملتقيات علمية، محلّية ووطنية ودولية، وهو حريص أيضا على متابعة العمرة والحجّ وربما قاربت حجّاته الأربعين حجّة، وكان المرشد الديني لبعثات الحجِّ، وتوفي الشيخ الناصر بن محمد المرموري، متأثّرا بوعكة صحّية في مسقط رأسه القرارة يوم 15 ماي 2011 م. أمّا الشيخ محمد بن عبد القادر شارف، فولد حوالي سنة 1908م، في مدينة مليانة، ولاية عين الدفلى، حفظ القرآن الكريم، ولم يتجاوز عمره 12 سنة، تلقى مبادئ علوم اللغة والفقه بمسقط رأسه مليانة، وببعض المناطق القريبة منها، ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة فواصل تحصيله العلمي، حيث تعرّف هناك على مشايخ نُجُب، أخذ عنهم ما كانت نفسه تصبو إليه من كمال، لتوفّر عوامل النبوغ فيه من استعداد فطري، وملكة في التحصيل والفهم السليم، وجوّ علمي في عائلته، وحرص شديد على الطلب. كان الشيخ في مرحلة التحصيل كثيرا ما يختلي بنفسه ليكرر ما أخذه عن شيوخه، وربما استرسل في مسائل أخرى لم يذكرها شيوخه في مجالسهم، فكان لا يكتفي بما يأخذه عنهم من فنون، بل كان يطرق أبوابا وعلوما أخرى قراءة من الكتب المتوفرة لديه، وهكذا كان دأبه في طلب العلم وطريقته في تحصيله. انتقل بعدها إلى الجزائر، أي في سنة 1932م، فأخذ عن الشيخ عبد الله الدراجي، والشيخ نور الدين عبد القادر البسكري، الشيخ بن دالي محمود، المعروف بالشيخ كحول، وإلى جانب كل هذا، كان الشيخ حريصا على حضور الدروس الإصلاحية التي كان يلقيها أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في نادي الترقي، فحضر كثيرا من دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، والطيب العقبي. وكل من عاشر الشيخ وتعرّف عليه يستشف منه خصالا حميدة وأخلاقا كريمة، حيث كان صاحب همّة عالية وشغف كبير في تحصيل العلم وتبليغه، تميّز بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة، الحِلم والتواضع، بحيث صارت إذا ذكرت فلابدّ أن تقرن مع اسمه، مع الزهد والورع الذي يذكّرك بسلفنا الصالح، إضافة إلى الإخلاص وصدق السريرة ورقة القلب، وكذا السعي في قضاء حوائج الناس، فأحبّ العباد إلى الله أنفعهم لخلقه، ولم يزل الشيخ معلما مفيدا، مطالعا معلّقا، مصححا شارحا وقد جاوز المائة، حتى وفاته في السادس جانفي 2011، ودفن بمقبرة العالية.