انحراف الأبناء.. ظاهرة متفشية كثيرا ما تكون أخبارها ضمن المادة الإعلامية التي أصبحت توحي بأن الإجرام تحول الى لعبة أطفال. وبخصوص هذه الحقائق المؤلمة والمقلقة في آن واحد يتفق المختصون في علم النفس على أن العنف الأسري وتأثيرات المحيط الخارجي وضعف الاتصال ثالوث يلقن الأطفال العدوانية والسلوكات المنحرفة. لاشك في أن انحراف الأحداث أمر يكلف خسارة ثروة بشرية شابة تذهب طاقاتها في مهب الإجرام، بالنظر الى التطور الملحوظ الذي تشير إليه دراسات مصالح الأمن والدرك المتعلقة بالأحداث الجانحين، خاصة فيما يخص الإدمان على المخدرات والهروب من البيت العائلي. وغالبا ما يربط علماء الاجتماع الظاهرة بالتصدع الأسري والمبالغة في ممارسة العقاب البدني ضد الأبناء وكثرة مشاهد العنف في البرامج التي تقدمها مختلف وسائل الإعلام. وفي هذا السياق أكدت دراسة وصفية ميدانية أجرتها الأستاذة خديجة بن فليس، من جامعة باتنة، أن الإساءة الممارسة على الطفل جسديا أو لفظيا داخل الأسرة تنعكس على مفهوم الذات لدى الطفل وتولد لديه الشعور بعدم الرضا عن نفسه وانجازاته وأسرته. علاوة على الرغبة في الانفصال عن هذه الأخيرة. وكشفت الدراسة التي شملت 90 طفلا يقدر معدل عمرهم ب12 سنة، منهم 50 ذكرا و40 أنثى، عن وجود فروق بين الجنسين من حيث أشكال الإساءة الممارسة عليهم، إذتبين أن الذكور يتعرضون للإهمال بالدرجة الأولى في حين تتعرض الإناث للمعاملة التمييزية التي تخلف ألما نفسيا. كما سجلت معدة الدراسة تراجع أسلوب الإساءة الجسدية في الوقت الراهن داخل الأسرة الجزائرية التي أصبحت تعتمد على أسلوب الإساءة النفسية دون أن تدرك بأنها أكثر تأثيرا. وأظهرت النتائج وجود علاقة سالبة بين الإساءة الوالدية وإدراك مفهوم الذات لدى الطفل حيث يشعر هذا الأخير بالنقص والدونية. وكذا علاقة سالبة بين الإساءة الوالدية وإدراك مفهوم الأسرة لدى الطفل على أساس أنه كلما زادت درجة الإساءة داخل الأسرة كلما كانت نظرته تجاهها سلبية. سوء المعاملة تولد العدوانية وأبرزت دراسة أخرى حول العنف الأسري كأسلوب تربوي وأثره على شخصية الطفل وسلوكه للدكتورة أنيسة بريغت عسوس من جامعة عنابة أن الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة (ضرب، لوم، شتم وعقاب) يتصفون بسلوكات عدوانية، مما يجعل الأسرة بمثابة أرضية لتدريب الطفل على ثقافة العنف بوصفها وحدة أساسية لنقل الثقافة الفرعية. والى جانب ذلك أوضحت الدكتورة بريغت عسوس من خلال الدراسة أن هناك علاقة قوية بين الأثر الذي يتركه القلق على الأم وأسلوب تربيتها لأبنائها، فالأمهات اللواتي يصرخن ويغضب عندما يقوم الأطفال بسلوكات غير مقبولة، يعتمدن أسلوب التوبيخ بينما تلجأ الأمهات اللواتي يلتزمن الصمت أو الإنزواء في الغرفة للتحاور مع الأنباء. وفيما تلجأ الأمهات اللواتي ترعرعن في وسط يسوده العنف لاستخدام العقاب البدني والمعنوي، تعتمد الأمهات اللواتي ترعرعن في أسر يسودها الاستقرار على أسلوب الحوار. وتنصح الدكتورة الأولياء بضرورة فتح قنوات الحوار مع الأبناء المراهقين، استخدام أساليب التربية من حث ونصيحة وتشجيع وبناء حياة أسرية أساسها التفاهم. 60 من الأولياء لا يثقون في أبنائهم! وفي إطار نفس الموضوع توصلت دراسة ميدانية للأستاذين عبد المالك بلالي وعبد العزيز رواتيني من جامعة البليدة حول "التربية الأسرية وعلاقتها بانحراف المراهقين" أن نمط التربية التي تلقاها الوالدين تنعكس على تربيتهما للأطفال ،، فمنهم من يعتمد على الليونة ومنهم من يعتمد على الطرق التقليدة القائمة على السيطرة والوسائل القمعية، خشية أن يفلتوا من أيديهم، مما ينجم عنه سلوكات انحرافية. وكشفت الدراسة التي تتكون عينتها من 811 مبحوثا ينتمون الى مركزي اعادة التربية بن عاشور بالبليدة وبئر خادم بالعاصمة، أن 51.02 من أولياء المبحوثين لا يقومون بواجب الحث والتوجيه الديني، وأن 27 يستخدمون العقاب الجسدي فيما يضرب 12.07 من الآباء الأبناء بسبب أمور لاتستحق ذلك، وأظهرت النتائج أيضا أن 38.27 من الأوياء يعاملون أبناءهم بقسوة، في حين أن 43.03 لا يشعرون أبناءهم بالعاطفة كما أن 60 من الوالدين لا يثقون في الأبناء، مما يفسر سبب ضعف الاتصال وظهور السلوكات المنحرفة.