الضرب والجرح العمدي والقتل هي من القضايا التي تتداول بصفة ملحوظة في المحاكم، حيث غالبا ما يكون سببها جرم استخدام سلاح أبيض قد يتمثل في سكين، شفرة حلاقة أو حتى مقلم الأظافر... فهي أدوات في متناول العديد من المراهقين والشباب الذين لا يتوانون عن اشهارها لمجرد حدوث خلاف بسيط ليبقى السؤال المطروح: ما الذي يقف وراء هذه الظاهرة المتفشية؟. يؤكد العديد من رجال القانون أن الفراغ الذي يحيط بالشباب يدفعه لتوظيف طاقاته في الإجرام بدءا بالإدمان والسرقة وانتهاء بالتزوير وماهو أخطر من ذلك، ويساهم وجود الأسلحة البيضاء في متناول الجميع في استفحال الإجرام، إذ رغم صدور قانون 2004 الذي يمنع حمل الأسلحة البيضاء وقيام رجال الأمن بالقاء القبض على كل من يحمل سلاحا أبيضا، حتى في حالة استعماله إلا أن هذا الجرم ما يزال متفشيا.
بدايتها سهر! تشير في هذا الإطار احدى المحاميات الى أن مخالطة شلة السوء غالبا ما تكون سببا في تبني عادة حمل السلاح الأبيض التي تتلخص دوافعها في جانبين هما: الدفاع عن النفس والاستجابة للنزعة العدوانية، كما تكشف القضايا المتداولة بهذا الخصوص أن الأفراد المدانين بسبب استخدام الأسلحة البيضاء غالبا ما يكونون ضحايا الظروف الاجتماعية والمادية، فنقطة البداية يمهد لها في أحيان كثيرة التسرب المدرسي الذي يصبح إثره الشارع الفضاء الوحيد لاستقبال الأحداث المتسربين. ومنه يتعلمون عادة السهر التي تشعرهم بوجود أخطار تحدق بهم، مما يؤدي بهم للتفكير في حمل سلاح أبيض كوسيلة للدفاع عن النفس. وتضيف نفس المتحدثة أن ظاهرة حمل الأسلحة البيضاء تعكس في الكثير من الأحيان الحالة النفسية للمراهق الذي يشعر بأنه محل احتقار الآخرين بسبب ظروفه المادية الصعبة. وهذا الشعور يؤثر عليه من منطلق أنه قد يتعرض للاعتداء في أي لحظة، ويدفعه بالتالي الى الاحتماء بسلاح أبيض، يصنع من خلاله نقطة قوة لنفسه ترهب الآخرين!. ويوضح أهل الاختصاص أن القانون الذي صدر سنة 2004 لم يستطع الحد من هذه الظاهرة، خاصة وأن البعض يحملون الأسلحة البيضاء تحت تأثير النزعة الاجرامية الكامنة لديهم. وإذا كان بعض المراهقين يحملونه من باب التقليد ويتخلون عنه مباشرة بعد الخروج من السجن، فإن هناك من يتسبب السجن في إثارة حقده، مما يسفر عن زيادة درجة التمرد لديه. فيصر على حمل واستعمال السلاح الأبيض. والحقيقة كما أشار إليه أهل الاختصاص، أن البعض زاد إصرارهم على حمله بعد صدور القانون، لأن الاستجابة لهذا الأخير يولد لديهم الاحساس بالضعف.
مكبوتات تولد الخوف ولدى تفسيرها للظاهرة ذكرت محامية أخرى أن حمل السلاح الأبيض قد يخفي وراءه مكبوتات مصدرها تعرضه في الصغر لاعتداء ما أو اغتصاب سواء في المدرسة أو الشارع، فمثل هذه الحوادث تولد الشعور بالخوف والقلق. ولمواجهة الشعور بانعدام الأمان تلجأ الضحية الى حمل سلاح أبيض للدفاع عن نفسها. وفي سياق متصل شرح مصدر قضائي آخر أن هذه الظاهرة التي تحمل في طياتها العدوانية تعكس السلوك الموروث من الأسرة، فالطفل الذي ينشأ في أسرة تتعرض فيها الوالدة الى عنف الوالد أو يتعرض فيها هو لتسلط الأشقاء يكتسب هو الآخر عادة استخدام العنف، حيث أن طبيعة التربية التي يتلقاها الطفل في المحيط الأسري تنعكس سلبا على سلوكه عندما تكون محاطة بقيم العنف، ليس هذا فحسب، إنما تعلب المراهقة أيضا دورا في تكريس استفحال هذه الظاهرة على أساس أن حمل السلاح الأبيض يستجيب لرغبة المراهق في إثبات الرجولة. كما أشار بعض رجال القانون. وتقول الحقائق المستقاة على صعيد آخر أن بعض الأطفال تظهر لديهم منذ الطفولة المبكرة أعراض العدوانية التي تستدعي عرضهم على طبيب نفساني، إلا أن الجهل وضعف المستوى التعليمي كثيرا ما يحول دون تفطن الآباء الى هذا الأمر الذي يعد من أسباب تفشي ظاهرة حمل الأسلحة البيضاء. وتشير المعطيات بخصوص الظاهرة الى أن حاملي الأسلحة البيضاء ينتمون في معظمهم الى الشريحة التي تتراوح أعمارها ما بين 13 و21 سنة، كما يتميزون بانخفاض المستوى التعليمي ويقطنون غالبا في الأحياء الشعبية.. والملفت في المسألة أيضا هو أن الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد أثرت في ذهنية الفرد الجزائري الذي أصبح يعتنق فكرة الاحتماء بالسلاح الأبيض في غياب الثقافة القانونية.
"أنا رجل"! من جانبها ترى الدكتورة منيرة زلوف مختصة في علم النفس، أن ظاهرة حمل السلاح الأبيض في وسط المراهقين تعود أساسا الى ثلاثة أسباب نفسية، فالأول يتمثل في اكتساب العدوانية سواء من المحيط الأسري أو من المحيط الخارجي بسبب مخالطة رفاق السوء أما الثاني فيترجم صورة من صور الاستظهار لمظهر الرجولة والخشونة لينقل المراهق رسالة مفادها "أنا رجل.. وأنا موجود!" لإثارة انتباه العائلة التي لم تقدر بداية مرحلة المراهقة لديه، بحيث تعامله كصغير، الأمر الذي يشعره بالإهمال والتهميش ويدفعه إلى تحويل هذه المشاعر الكامنة في اللاشعور إلى ميكانيزم دفاعي يسمى تكوين عكسي لفعل رجعي من خلال حمل سلاح أبيض. في حين أن السبب الثالث لا يعكس أي مشكل، إنما يشير الى الرغبة في التباهي والتفاخر ليعلن المراهق بأنه كبر وبامكانه تخويف الآخرين لا سيما الفتيات. وهذا السلوك تؤكد الدكتورة يكون مؤقتا، حيث ينتهي بانتهاء مرحلة المراهقة، وهو الأمر الذي لا ينطبق على الأسباب المذكورة آنفا ذلك لأنها تتطلب معالجة نفسية.