شكلت زيارة الدولة التي قادت رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا، بدعوة من نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريل، فرصة جديدة لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لاسيما من خلال اتفاقيات التعاون الموقعة في مختلف المجالات. وطيلة ثلاثة أيام كان للرئيس تبون برنامجا مكثفا، استهله بلقاء مع الجالية الوطنية المقيمة بإيطاليا، وهو تقليد سنه في جميع زياراته التي قام بها إلى الخارج، للاستماع لانشغالاتهم واقتراحاتهم. وكان هذا اللقاء مناسبة أكد من خلالها متانة العلاقات مع إيطاليا والتي تعتبر حسبه "من أقوى العلاقات العربية-الأوروبية في منطقة الحوض المتوسط". وفي معرض حديثه عن العلاقات العميقة مع إيطاليا، ذكر بمواقفها التاريخية المشرفة تجاه الجزائر خلال ثورة التحرير والتي استمرت بعد الاستقلال، من خلال مساعدة هذا البلد الصديق في أصعب الظروف التي مرت بها الجزائر. وحث رئيس الجمهورية أفراد الجالية على إنشاء مشاريع مع نظرائهم الايطاليين، والاستفادة من خبرتهم لاسيما فيما يتعلق بالمؤسسات الناشئة. وفي اليوم الثاني من الزيارة، وبعد الاستقبال الرسمي الذي خص الرئيس تبون من طرف نظيره الايطالي بالقصر الرئاسي "كويرينالي" وفقا للأعراف والتقاليد الايطالية، أجرى الرئيسان محادثات على انفراد توسعت بعدها لتشمل وفدي البلدين. وخلال لقاء صحفي مشترك مع نظيره الايطالي عقب المحادثات الثنائية، أكد الرئيس تبون العمق التاريخي المتجذر للعلاقات الثنائية، مشيرا إلى "أننا لم نسجل مع دولة إيطاليا الصديقة ولو سحابة صيف (في علاقتنا الثنائية طيلة هذه العقود)". كما أبرز الرئيس تبون وجود "اتفاق تام" بين البلدين حول المسائل ذات الاهتمام المشترك، سواء ما يجري في المغرب العربي أو البحر الأبيض المتوسط. وعلى صعيد التعاون الثنائي،جدد الرئيس تبون التزام الجزائر بصيانة الصداقة التي تجمعها بإيطاليا "بكل الوسائل وليس فقط عن طريق الطاقة"،معتبرا أن التعاون الطاقوي أصبح أمرا "بديهيا"، لأن علاقات الجزائر مبنية أساسا على الثقة مع أصدقائها وعلى الكلمة الواحدة والموحدة التي لا تتغير. وأشار رئيس الجمهورية إلى وجود ارتباط عضوي بين البلدين فيما يخص الطاقة، مبرزا أن تطوير هذا التعاون ممكن أن يتم بالتنقيب المشترك بين شركتي إيني وسوناطراك، على أن يتم توجيه كل زيادة في الانتاج إلى الصديقة إيطاليا وفق الطلب، ولتكون هي الموزع عبر أوروبا. ولفت تبون إلى اقتراح الجزائر إنجاز كابل بحري يربط الجزائربإيطاليا، يتم من خلاله تموين جزء من أوروبا بالطاقة الكهربائية، مشيرا كذلك إلى شروع البلدين في انتاج اللوحات الشمسية في ولاية سيدي بلعباس ومنتجات أخرى بين شركتين ايطالية وجزائرية. وعبر رئيس الجمهورية عن الرغبة المشتركة في إنتاج البلدين للهيدروجين الأخضر وتصديره نحو إيطاليا، بالإضافة إلى آفاق مفتوحة للمؤسسات الناشئة (الجزائرية) للحصول على التجربة الايطالية والتعامل مع نظيراتها الايطالية في مجال الصناعة. كما عبر تبون عن الرغبة في الدخول مع الصديقة إيطاليا في تعاون في مجال بناء السفن، سواء المدنية أو العسكرية. كما تطرق إلى التعاون الثقافي بين البلدين اللذين تجمعهما "حضارة مشتركة في منطقة المتوسط"، مشيرا الى وجود مبادرات هامة قيد التنفيذ على غرار ترميم وحماية المعالم الثقافية والأثرية وتبادل الباحثين والطلبة والتعاون بين الجامعات. وعبر الرئيس ماتاريلا عن سروره بانعقاد القمة الرابعة بين الحكومتين الايطالية والجزائرية في يوليو القادم بالجزائر، معتبرا إياها موعدا مهما جدا. كما استقبل الرئيس تبون من طرف رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي،بمقر رئاسة مجلس الوزراء "قصر كيجي"، أين خص رئيس الجمهورية والوفد المرافق له باستقبال رسمي. وبعد المحادثات بين الطرفين، تم التوقيع على عدد من البرتوكولات ومذكرات التفاهم الثنائية للتعاون، شملت قطاعات المؤسسات المتوسطة والصغيرة، والسياحة والثقافة وكذلك في مجالات محاربة الفساد والارهاب، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم وقعها مجمعا "سوناطراك" و "إيني" تهدف إلى تسريع تطوير حقول الغاز المكتشفة في الجزائر والحد من البصمة الكربونية عبر استغلال الهيدروجين الأخضر. وأجرى بعدها الرئيس تبون محادثات مع كل من رئيسة مجلس الشيوخ الايطالي، ماريا إليزابيثا ألبيرتي كازيلاتي،ورئيس غرفة النواب الايطالي، روبرتو فيكو. وفي إطار برنامج اليوم الثاني للزيارة، تم تكريم رئيس الجمهورية من طرف عمدة بلدية روما، روبرتو غوالتيري، خلال لقاء مجاملة جرى بمقر البلدية "كامبيدوليو"، أين تم منحه هدية تتمثل في مجسم "منحوتة الذئبة" التي تعتبر رمز مدينة روما. وقام الرئيس تبون عقب ذلك بزيارة لسجن "مامرتينو" بروما أين سجن الملك النوميدي يوغرطة بعد مقاومة الرومان لسنوات. وأقام الرئيس ماتاريلا مساء الخميس مأدبة عشاء على شرف رئيس الجمهورية بالقصر الرئاسي "كويرينالي". وعقب المأدبة، تبادل الرئيسان الهدايا، قبل أن يحضرا حفلا موسيقيا أشرف عليه المايسترو الجزائري، سليم دادة. وفي اليوم الثالث والأخير للزيارة، تنقل رئيس الجمهورية، من روما إلى نابولي (جنوب البلاد)،رفقة الرئيس ماتاريلا على متن القطار. وبعد الوصول للمحطة المركزية لمدينة نابولي، تنقل الرئيس تبون إلى مقر الإقامة الرئاسية الإيطالية "فيلا روزبيري" حيث استقبل من طرف الرئيس ماتاريلا. وأطل الرئيس تبون من شرفة الإقامة المقابلة للواجهة البحرية، أين توجد الباخرة الشراعية التاريخية "أميريغو فيسبوتشي" التي أطلقت 21 طلقة مدفعية ترحيبا به، وهي المرة الاولى التي يخص بها رئيس للجمهورية بهذا الترحيب. وبعد مأدبة غذاء على شرفه بمقر الإقامة الرئاسية "فيلا روزبيري"، قام الرئيس تبون بزيارة، رفقة نظيره الإيطالي، إلى المتحف الوطني بنابولي "كابوديمونتي". وجرت مراسم التوديع لرئيس الجمهورية والوفد المرافق له على مستوى مطار نابولي "كابوديكينو".