تأتي زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمملكة العربية السعودية ولقاؤه المرتقب مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في وقت تشوب العلاقات بين البلدين خلافات تأتت من موقف الادارة الامريكية حيال الملف المصري والأزمة السورية والملف النووي الإيراني الذي اتخذه بمعزل عن التشاور مع المملكة التي تعتبر الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة في المجالين السياسي والاقتصادي. ويصل البعض للقول بأن الولاياتالمتحدة خذلت المملكة في هذه الملفات، إضافة إلى الشلل المزمن التي تعاني منه عملية السلام. وتعتبر هذه الزيارة الثانية لأوباما إلى السعودية بعد زيارته الأولى في شهر جوان 2009. وعلى الأرجح سيحاول زعيم البيت الأبيض والقيادة السعودية ايجاد أرضية مشتركة للتعاطي المستقبلي مع الملفين السوري والايراني والوضع في مصر وحفظ الأمن الخليجي المشترك. كما من المؤكد أن الجانبين سيبحثان قضية المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. وتوصف زيارة اوباما هذه بالصعبة للغاية وتأتي عقب القمة العربية الاخيرة التي انعقدت في الكويت والتي في الحقيقة لم تحقق النتائج المرجوة وفي ظل انقسام مجلس التعاون الخليجي على نفسه، والخلافات بين السعودية والامارات والبحرين من ناحية، وقطر من ناحية اخرى. نقاط الخلاف الملف السوري: في اوت الماضي قررت أمريكا استخدام القوة ضد سورية بعد بروز تقارير عن استخدام السلطات السورية أسلحة كيميائية ضد معارضيها. ثم عدلت واشنطن عن هذا القرار بعد تدخل الطرف الروسي، الذي استطاع أن يستبدل الحرب بتدمير الكيميائي السوري، بقرار أممي. وجاءت هذه الخطوة بدون استشارة السعودية، التي كانت تعول على أن استعمال القوة ضد دمشق سيضع حداً للسلطات هناك. كما أن سبب الاختلاف هو تباين الآراء حول كيفية التعامل مع حكومة بشار الأسد. الملف الايراني: وهنا أيضا تم التوصل الى اتفاق تمهيدي بين السداسية وايران في ديسمبر/ الماضي، الأمر الذي كان بمثابة الملح على الجرح السعودي .. فالمملكة تخشى أن يكون تحسن العلاقات بين أمريكاوايران على حساب علاقات أمريكا بحلفائها التقليديين في الخليج. كما ان هناك غضبا سعوديا من انتقاد الإدارة الأمريكية المتكرر للحكومة البحرينية لما تقوم به ضد الانتفاضة الشعبية الشيعية. الملف المصري: أصبح الشأن المصري ذا أهمية كبيرة لعلاقات الرياضبأمريكا، حيث أكد الملك عبدالله لأوباما أثناء ثورة 25 يناير على ضرورة الوقوف بجانب الرئيس مبارك، وذلك خوفا من تأثير ما تشهده ميادين مصر على المملكة واحتمال انتقال العدوى للرياض. وصدمت السعودية لاضطرار الرئيس الأسبق مبارك للتنحي عن الحكم، وألقت باللوم جزئيا على ما اعتقدت أنه تخلي أمريكا وإدارة أوباما عن الحليف المصري المهم. وصدمت الحكومة السعودية ثانية من عدم دعم إدارة أوباما العلنية لتدخل الجيش وإزاحة الرئيس محمد مرسي. وتعهدت الرياض بسد أي نقص نتيجة وقف المساعدات الأمريكية لمصر، وهو ما حدث إذ أوقف أوباما معظم المساعدات العسكرية للجيش المصري عقب استخدام العنف لفض اعتصامات جماعة الإخوان حسب رأيه. السعودية تعبر عن غضبها وربما تعتبر الخطوة المعلنة الأولى لتعبير المملكة عن غضبها من السياسات الأمريكية، هو رفضها مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن قبل نهاية 2013. الرفض السعودي آنذاك، بدا وكأنه موقف احتجاجي ليس فقط كما ذكر البيان الرسمي للخارجية السعودية، بأنه على "أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن التي تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميَين"، بل واحتجاجا ضمنيا على السياسة الأمريكية التي تقود في كثير من الأحيان المزاج السائد في مجلس الأمن.
توقعات الخبراء واعترف رئيس مركز الخليج للابحاث عبد العزيز الصقر في حديث لوكالة "فرانس برس" بان العلاقات السعودية الامريكية يسودها "نوع من التوتر بسبب مواقف واشنطن"، مشيرا الى ان ايران ستشكل "العنوان الابرز" في المحادثات، مضيفا ان "التقارب بين واشنطن وطهران يجب ألا يكون على حساب العلاقات مع الرياض" رغم ان الملف النووي الايراني هو "الوحيد تقريبا الذي ربما سينجح فيه اوباما خارجيا". وبالنسبة لسورية اوضح الصقر ان ملف "تسليح المعارضة السورية سيطرح بقوة". من جانبه اعتبر استاذ الدراسات الامنية في جامعة جورج تاون بول ساليفان انه "لن يكون هناك تغيير في السياسة الاميركية خلال الزيارة.. فهي جزء من طمأنة السعودية". واضاف ساليفان "الزيارة فرصة لتنقية الاجواء بسبب سوء تفاهم واسع". أما رئيس مركز الدراسات الاستراتجية في جدة رأى ان "سورية ستحتل مكانة مميزة في المحادثات.. اعتقد بان الرئيس الاميركي سيطرح احتمال بقاء الاسد رئيسا مقابل شروط عدة"، ابرزها "فك الارتباط مع ايران وبالتالي حزب الله وتشكيل حكومة جامعة تمثل كل الوان الطيف السياسي في سورية واجراء انتخابات حرة". وعما اذا كانت السعودية توافق على بقاء الاسد رئيسا، اجاب عشقي "يجب ان نتذكر ان المطلب الاول للسعودية كان وما يزال فك الارتباط مع ايران وتوابعها"، موضحا أن سورية "معرضة للتقسيم اذا بقيت الامور على هذا المنوال وفي حال ترسخ ذلك فان المنطقة برمتها ستكون معرضة لخطر التقسيم". واعتبر عشقي ان الغرب توصل الى هذا "الاستنتاج بعد مشاركة جهاديين من اميركا واوروبا في القتال الدائر في سورية واكتساب خبرات تمكنهم من تنفيذ عمليات ارهابية في بلادهم فور عودتهم اليها.. الجميع مقتنع بان نظام الاسد هو الوحيد القادر على ضرب الارهابيين في وقت تعاني فيه المعارضة السورية من الانقسامات والضعف وتبادل الاتهامات بين اطرافها".