قدم السبت العرض الأول للفيلم الروائي الطويل الجزائري "العشيق" لمخرجه عمار سي فضيل، في قاعة إبن زيدون (رياض الفتح)، والذي توالت أحداثه على مسار انكشاف ملابسات جريمة قتل المغني القسنطيني صلاح بن مصباح المعروف بالعشيق سنة 1958، حيث هزت الحادثة زمن الثورة مدينة الجسور المعلقة ، وتباينت الإدعاءات بين متهم للطرف الفرنسي، وأخر يحمل المسؤولية لجبهة التحرير، كون الضحية رجح ميولها إلى دعاة الجزائر فرنسية. وعلى خلفية تاريخية محضة، نسجت أحداث "العشيق" التي دامت 100 دقيقة في سياق درامي، بوليسي، وتتابعت على خطين متوازيين، رسهما التحقيقان الذان أطلقا من طرف السلطات الإستعمارية، وأخر حركته جبهة التحرير الوطني من جهتها، لأنها كانت متأكدة من وطنية العشيق الذي لم يكن في الحقيقة إلا مناظلا سريا لها، لذا كان من الضروري عليم أن يكشفوا هوية المجرم، وإفشال المسعى الفرنسي لإلصاق الجريمة في المجاهدين. وبين هذا وذاك يقف بطل العمل والمحقق المتقاعد خوجة، الذي أدى دوره الممثل عزيز بوكروني، حين تتبع خيوط الجريمة، مرتكزا على صلاته وسنوات عمله في الشرطة الفرنسية، ومعارفه الجزائريين وحتى المناضلين، لكن مسار التحقيق كان ضبابيا جدا، جراء التعتيم الذي مارسه المستعمر على القضية، خصوصا أن الحادثة أخذت صدى واسع، بلغ باريس، وتزامنت مع زيارة الجنرال ديغول لقسنطينة في ذلك الحين. المخرج اختار أن يبدأ الفيلم بلقطة بانورامية طويلة انطلقت من إحدى جسور سيرتا، لتحط بقاع الوادي السحيق أين تقبع جثة العشيق هامدة بعد ان تعرضت للتصفية، يليها مشهد فلاش باك للحظات نضال صلاح بن مصباح من أجل جزائر فرنسية، ويغيب لاحقا العشيق تماما عن البناء الدرامي، ليفسح المجال للتحقيقات، والأحداث التي تلت اغتياله، ويكتفي بظهور أخير ووجيز (فلاش باك) في النهاية بعد رفع الستار عن كل الغموض الذي اكتسى الأحداث. يشار إلى أن عبد المجيد مرداسي أشرف على حوارات وسيناريو العشيق ، والفيلم إنتاج 2017 في إطار قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، وجمع ممثلين جزائريين مع فرنسيين كمراد أوجيت، أحمد رزاق، يوسف سحايري، كريم ليزيد، لورون غارنيقون (Laurent Gernigon)، إيفيج بروارج (IfigBrouard)، سيزار دومينيل (César Duminil)...
كان بالإمكان... لكن ما يمكن أن يقال عن العشيق أنه جمع كل عوامل النجاح، وتقديم فيلم جيد ومتكامل، بدءا من الفكرة ووصولا إلى التقنية، لكنه سقط في متاهات شتت المشاهد، وبدا جليا أن القائمين عليه تخلوا طواعية على عنصر التشويق، هذا الأخير الذي يعتبر ركيزة مهمة في مثل هذا اللون الدرامي (التحقيقي) الذي يستغني عن الحركة، والإنفعالات ويرتكز على التشويق وشد انتباه المتلقي خلال الحوارات في رحلة البحث عن الحقيقة وفك شفرات الجريمة، فبدل أن تترك فرضية قتل العشيق من طرف المستعمر أو جبهة التحرير الوطني، سارع العمل منذ الدقائق الأولى إلى اسقاط الإحتمال الثاني، وقتل الغموض الذي لو حوفظ عليه لأخذ الفيلم منحى أخر، لذا فكان واضحا أن هذا الخيار كان طواعية ومقصود، سواء وُلد في السيناريو الأولي، أو اتخذ خلال الإخراج، ما يحيل إلى رقابة قد تكون ذاتية لدى أصحابه... فمن الغريب الحفاظ على احتمال وحيد في مثل هذا النوع السينمائي، علما أن مخرج الفيلم والمنتج التنفيدي نفوا نفيا قاطعا تدخل أي طرف لتغيير فحوى السيناريو، وأكدوا أنهم عملوا بكل حرية في بلورة عملهم الإبداعي.
صورة راقية وديكور متقن ولابد من التنويه بنوعية الصورة الراقية، والعمل الذي قدمه مدير التصوير طاراكلي أحمد، سواء ما تعلق بجودة الصورة، حركة الكاميرا واللقطات... كما يشار إلى الديكور المنضبط بحقبة أحداث الفيلم، والذي راعى أدق التفاصيل والأكسيسوارات، وكل ما تعلق بعربات النقل أنذاك، أو الألبسة، الأثاث والبنايات... ومع هذا وفق فريق العمل في نقل مشاهد خارجية عن أزقة قسنطينة، وجسورها المعلقة. في حين لم ينفي المخرج عمار سي فضيل وجود صعوبات واجهوها في إيجاد مواقع مفتوحة خلال عملية التصوير، بهندسة ذلك الزمان، الأمر الذي اضطرهم إلى التصوير بين قسنطينة، والعاصمة، مؤكدا أنه من غير السهل على المشتغلين في الفن السابع، أن يجدوا مواقع تصوير للأعمال التاريخية، أوالمرتبطة بأحداث مر عليها سنوات كثيرة.