لعلي أكون مغاليا إذا قلت: إن آفة الأفات في مجتمعنا اليوم هي اشتغال المجتمع بنفسه والبحث عن الريع بأية طريقة كانت، وأكثر من ذلك فإن المواطن أصبح يحس بشيء من الغرور يخيل إليه معه أنه أدى كل واجبه وبات يملك حق المطالبة بالمقابل، عكس الجيل القديم الذي كانت إراداته فولاذية وعزيمته صلبة يضحي في سبيل وطنه مهما كانت النتيجة. إن هذه الفئة من مجتمعنا أصبحت تخوفنا من تصرفاتها اللاأخلاقية خصوصا بعدما تبين أنها تبحث عن الغنائم دون أن تبذل جهدا للحصول عليها، وأحسن دليل على ما أقول بعدما انتهت العملية الإنتخابية وفاز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعهدة ثالثة ما قاله الكاتب القدير جورج الراسي زوج الكاتبة القديرة أحلام مستغانمي في مقال له بمجلة الحوار الجديد عندما فاز بوتفليقة بالعهدة الثانية "ولاية الرئيس بوتفليقة الثانية هي أول حكم رئاسي مدني قوي في تاريخ الجزائر، وإنها من المرات النادرة في سجل أنظمة العالم الثالث وعلى رأسها الأنظمة العربية، التي نجد فيها الجيش وقد انسحب إلى ثكناته بكل رضى وطيب خاطر..." اعتقد أن كلامه بعد خمس سنوات اصبح حقيقة، وأن الجزائر بالفعل تعيش في ظل حكم مدني، المهم الآن هو العمل من أجل تحويل الأقوال إلى أفعال واختيار الأشخاص الأكفاء لهذه المهمة، لكن ها هي الأيام تمر، وطال انتظار الحكومة الجديدة. وما شد انتباهي هذه الأيام هو ذلك الانتظار الذي زاد عن حده من طرف الذين ساهموا في نجاح الحملة الإنتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث تجد عيون أغلبيتهم، وفي أي مكان يذهبون إليه، مشدودة نحو هواتفهم النقالة منتظرين مكالمة من أحد المسؤولين علّه يبشرهم بما يفرحهم. وفي هذا السياق اتصلت بأحد الأصدقاء صباحا ثم بعد الظهر ثم مساء لكنه لم يرد على مكالمتي، وفي اليوم التالي التقيته فأخبرته بأنني قد اتصلت به ثلاث مرات ولم يجبني، فهل هناك شيء يشغل باله، فقال "في هذه الأيام أرجو أن تتصل بي في الصباح الباكر فقط، أم باقي الوقت فإنني لا أرد إلى على المكالمات التي تحمل رقم 69، وإلى اللقاء فأنا مشغول كثيرا". في ذلك المساء التقيت ببعض الأصدقاء في مقهى بحي راق وقلت لهم ما سر الرقم 69؟ قالوا أنت كذلك تنتظر مكالمة تحمل هذا الرقم؟.. قلت لهم لا.. صديقي هو الذي ينتظر مكالمة تحمل هذا الرقم، فقالوا لي نحن كذلك ننتظر مكالمة بنفس هذا الرقم والسر في ذلك أن هذا الرقم هو رقم الهاتف الثابت لبلدية المرادية. ففهمت على الفور المقصود من هاتف يحمل رقم 69، وما لفت إنتباهي هنا أن الأصدقاء الثلاثة كانوا يتحدثون وأعينهم تكاد تخترق الهاتف النقال الموضوع على الطويلة. وقبل مغادرتنا المقهى قلت لأحدهم ما رأيك في لعب دور المتصل بك غدا؟. قال كيف؟ قلت عندما يكون صديقنا هنا قم بعملية تمثيل حيث تبدو أنك مندهش عندما يرن هاتفك النقال على أساس أن الاتصال من المرادية. وصلنا إلى الموعد المحدد ومباشرة قال أحد الأصدقاء: إن التغيير الوزاري وشيك. ومباشرة نهض الممثل وقال: ألو..نعم أنا هو، أي وزارة سيدي؟، آه وزارة الشباب والرياضة.. طبعا سيدي أنا موافق وفي خدمة البلد، وبعد نهاية المكالمة جلس ثم نهض وقال: ها هو اليوم الذي انتظرته طول حياتي. إنني سعيد جدا.. الشراب اليوم على حسابي. قلنا ما الأمر؟ قال لقد عُيّنت وزيرا للشباب والرياضة. انزعج الجميع وقالوا "مستحيل نحن أجدر بالمنصب، فماذا عملت في الحملة، إنك لم تقدم شيئا مقارنة بما قدمناه نحن. إنها كارثة". فحمدت الله تعالى كوني لا أبحث إطلاقا عن هذه الأشياء وعندما جاء "القهواجي" ليقبض ثمن المشروبات والحلويات قال الممثل انتهت المسرحية، عليكم بتقسيم الفاتورة بالتساوي. فقال أحدهم حسّيت أنها كانت مسرحية. والأدهى هو أن النخب الحزبية وبعض الوزراء السابقين ينتظرون هم كذلك مكالمة من الرقم69 . صحيح أن كل إنسان منا يتمنى لو أمسك بالنجوم أو القمر ولكن تبقى أحلامنا بسيطة ولكل حلم حده. فهناك من يعرف أنه يحلم ولكن صعب أن يعيش الفرد منا وهما لا يخرج منه، المهم في كل هذا هو من أراد أن يعمل عملا أو يتلقى منصبا، فليعمل ذلك من أجل وطنه أولا وقبل كل شيء، وألا يظن البعض أن يسراه تظل ممدودة تنتظر مقابل ما قدمت يمناه. أو يهدف من وراء المنصب تحقيق غايات خاصة أو عائلية، معتبرا إياه سلما للانتقال من درجة إلى درجة أرقى، فكل منصب يتلقاه الفرد منا أيا كان هو بمثابة مسؤولية والمسؤولية تكليف وليست تشريفا. ونختم بالقول، إن أنظار الشعب الجزائري معلقة بما تعهّد به رئيس الجمهورية والطموح كبير في أن يقدم برنامج الرئيس مبادئ لحل المشكلات الرئيسة التي تواجه الجزائريين اليوم وهي البطالة والسكن والتعليم والصحة والثقافة، أما الإطارات الواقفة في طابور تنتظر مكالمة تحمل الرقم 69 فأقول لهم ما تقوله المقولة الشعبية الشائعة "خذ ما عطاك الله".