الانتخابات الموريتانية التي ستجري الأسبوع المقبل في 6 جوان تأتي امتدادا للانقلاب العسكري الذي جرى منذ 9 أشهر، فالجنرال "محمد ولد عبد العزيز" الذي نفذ الانقلاب وحكم البلاد رشح نفسه للانتخابات في محاولة للبحث عن الشرعية موازاة مع رفض المعارضة وتصاعد احتجاجاتها. وهذا ما يعطي للانتخابات شكل الانقلاب الذي يأخذ هذه المرة الطابع الدستوري؟ أصبحت موريتانيا تعرف ببلد الانقلابات العسكرية حيث شهدت طيلة 30 عاما منذ العام 1978 حتى الآن 14 انقلابا، نجحت منها خمسة انقلابات وفشلت الأخرى، أي بمعدل محاولة انقلابية كل عامين. وفي غالب الأحيان فإن هذه الانقلابات تدعم من دول لها مصالح في البلاد مثل فرنسا والمغرب والسينغال وحتى ليبيا، وقد دعمت بعض هذه الدول الانقلاب الأخير، وتقوم حاليا بوساطات لتسوية الأزمة الموريتانية التي ستتفاقم إذا ما نفذت المعارضة تهديداتها وخرجت للاحتجاج في الشارع وسط القبضة الحديدية التي تشنها الحكومة العسكرية . وهذا العدد القياسي في العالم العربي يضع موريتانيا في المراتب الأولى، فالعسكر في موريتانيا هم المتحكمون في زمام الأمور ولا يريدون التخلي عن السلطة، فهم الذين يختارون رؤساء الجمهورية وهم الذين يخلعونهم إن تجاوزوا الخطوط الحمراء التي رسموها لهم مثلما يجري في كثير من الدول العربية، لكن رغم هذا فإن هناك عوامل أخرى تتحكم في الانقلابات الموريتانية مثل الصراع العرقي بين العرب والزنوج ونزاع الصحراء الغربية وتصادم الإيديولوجيات خاصة بين الشيوعيين والقوميين والإخلال في التوازنات بين أجنحة العسكر وبين الجماعات النافذة في دواليب الحكم، وأضيف في الآونة الأخيرة عاملان هما إسرائيل و الممارسة الديمقراطية . ومتابعة مسلسل الانقلابات في موريتانيا يعطي فكرة عن خلفياتها وأسباب حدوثها في هذه البلاد. أول الانقلابات كان في 10 جوان من العام 1978، الذي أصبح عيدا وطنيا للجيش. آنذاك تدخل العسكر بقيادة المقدم "المصطفى ولد محمد السالك "ليزيح نظام الرئيس"المختار ولد داده "الذي حكم البلاد طيلة 18 عاما منذ الاستقلال في العام 1960 ، الذي وجهت له انتقادات كثيرة نتيجة لدعمه للمغرب ودخوله في حرب ضد جبهة البوليزاريو. وجاء الانقلاب الثاني في أفريل من العام 1979 من قبل ضباط ما يعرف ب "اليمين الشيوعي" وهم حلفاء الرئيس المخلوع ولد داده الذين انتقموا له فنفذوا انقلابا تم من داخل اللجنة العسكرية، وكانت العملية برئاسة العقيد "أحمد ولد بوسيف". واستهدف الانقلابييون تصفية البعثيين العسكريين والمدنيين من دوائر السلطة، لكن مدة حكمهم لم تدم سوى ما يقارب الشهر حيث راح زعيمهم رئيس الوزراء أحمد ولد بوسيف ضحية لتحطم طائرته يوم 27 ماي من عام 1979 فوق المحيط الأطلسي غرب دكار - العاصمة السنغالية - في ظروف غامضة .. إثر هذه الحادثة، انتدبت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني المقدم "محمد خونه ولد هيدالهّ" خلفًا مؤقتًا له، ريثما يتم انتخاب رئيس لها وللدولة من بين أعضائها في غضون شهرين. ولكن المقدم هيداله لم ينتظر انقضاء فترة انتدابه المؤقتة بل فأجا اللجنة العسكرية بقرارات أعلن من خلالها إقالة أنصار بوسيف من اللجنة العسكرية وتعيين العقيد "محمد محمود ولد والي "رئيسا ًللدولة يوم 3 جوان 1979 وهذا ما اعتبر الانقلاب الثالث، والذي استكمله هيداله بإقصاء ولد الولي يوم 4 جانفي من عام 1980 وعين نفسه رئيسا للجنة العسكرية وللدولة. أعاد "محمد خونه ولد هيداله " التعاطف مع الصحراء الغربية، وهذا ما أدى بالمغرب إلى دعم "اليمين الشيوعي" للقيام بانقلاب عسكري هو رقم 4 في قائمة الانقلابات. وكانت المحاولة يوم 16مارس 1981 عن طريق فرقة كوماندوس قدمت من المغرب مؤلفة من 9 أشخاص موريتانيين من بينهم ثلاثة ضباط من أنصار الرئيس السابق بوسيف وقد تم إعدام الثلاثة بعد إخفاق المحاولة . وفي سياق العداء بين نظام هيداله والنظام المغربي أحبط مخطط انقلابي في أواخر مارس 1983، واعتقل النظام المشتبه في ضلوعهم وسجلت المحاولة تحت رقم 5 .. ونجح الانقلاب رقم 6 الذي قاده رئيس الأركان العقيد "معاوية ولد سيد أحمد الطايع ّفي يوم 12 ديسمبر 1984 في الإطاحة بولد هيداله الذي كان في مهمة بالخارج، وكان العامل الخارجي بارزا الى درجة أن الانقلاب تم تحت أنظار الفرنسيين، وبعناية النظام المغربي العدو الأكبر لنظام ولد هيداله. وحتى داخليا فان الأمور كانت مهيئة بعد أن وضع النظام مئات من القوميين (الناصريين والبعثيين) ومن أنصار نظام "ولد داداه "في السجون، وزاد تقربه من الزنوج من عوامل الإطاحة بنظام ولد هيداله. أما عهد أحمد الطايع الذي استمر مدة 21 عاما من العام 1984 الى غاية عام 2005 فقد عرف 7 محاولات انقلابية فاشلة قاد الناصريون 4 منها، وجاءت المحاولة رقم 7 بعد عامين من توليه الحكم حيث أشتبه في بعض أعضاء لجنته العسكرية وتم اعتقالهم . وبعدها في العام 1987 تم اكتشاف مخطط عسكري للإطاحة بالنظام واعتبر بالمحاولة رقم 8 في قائمة الانقلابات، وكان الانقلابيون يهدفون إلى إقصاء العرب والقضاء عليهم من خلال تنظيم مذابح جماعية ضدهم، وإقامة دولة زنجية. وفي أواخر الثمانينيات، تمكنت بقايا تنظيم الحركة الزنجية "أفلام" داخل الجيش الموريتاني من إعادة ترتيب شؤونها بعد فشل انقلابها في العام 1987. وخططت لتنفيذ انقلاب آخر حمل رقم 9 ولكن المحاولة فشلت. اتسمت فترة التسعينيات بالهدوء حيث لم تشهد العشرية الممتدة بين 1990 و2000 أي انقلاب، ولكن بداية الألفية عرفت عديدا من المحاولات الانقلابية على نظام أحمد الطايع الذي تحول الى نظام مدني.حيث خطط الرائد "صالح ولد حننه" مع مجموعة من الضباط الشباب للانقلاب رقم 10 الذي تم تنفيذه في يوم 8 جوان 2003 ولكنه انتهى بالفشل رغم سيطرة الانقلابيين على قيادة الأركان، ورئاسة الجمهورية والمطار، وحينها فر الرئيس الى السفارة الاسبانية لمدة ثلاثة أيام . في آخر العام 2003، ومع التخوف من تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح "ولد سيد احمد الطايع " دعا المرشح "ولد هيداله "وهو رئيس جمهورية سابق الى تنظيم عصيان مدني للإطاحة بالنظام، ولكن تم اعتقال المشاركين في هذه المحاولة التي حملت رقم 11 في مسلسل الانقلابات . وكانت المحاولة الانقلابية رقم 12 بعد عودة الرائد صالح ولد حننه في شهر أوت 2004 من الخارج، فبعد فشل محاولته الأولى في 8 جوان 2003 ، أدخل أنصاره في المحاولة الانقلابية الثانية كميات من الأسلحة وأجهزة الاتصالات إلى قلب العاصمة نواكشوط، وموازاة معها نشطت الحركة داخل الجيش بين أنصاره لكن مخابرات أحمد الطايع ألقت عليهم القبض . وكان الانقلاب ماقبل الأخير يحمل الرقم 13، وهو الذي أطاح بالرئيس "معاوية ولد احمد الطايع " الذي كان في مهمة بالخارج في 3 أوت من العام 2005 من قبل العقيد "اعلي ولد فال ّالذي أسس "المجلس العسكري للعدالة" وسير المرحلة الانتقالية لمدة عامين الى حين تنظيم انتخابات رئاسية في مارس من العام 2007 وسلم السلطة للمدنيين على طريقة ّسوار الذهبّ في السودان ، والتي فاز بها الرئيس المطاح به في الانقلاب الأخير رقم 14 ،"ولد سيدي محمد عبد الله "من قبل الجنرال "محمد ولد عبد العزيز"، الذي شكل مجلسا للدولة وتعهد بتنظيم انتخابات رئاسية في أقرب وقت. على طريقة الانقلاب السابق الذي كان هو مهندسه الفعلي. وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، هو الرئيس المنتخب الوحيد المطاح به حتى الآن حيث أن الرؤساء السابقين المطاح بهم جاءوا للحكم عن طريق انقلابات، ماعدا الرئيس الأول المختار ولد داده. وهو الوحيد أيضا المطاح به من قبل جنرال فالرؤساء السابقون أطيح بهم بواسطة انقلابات قادها ضباط برتبة رواد ومقدمين وأعلى الانقلابيين رتبة كانوا عقداء . وتبدو طريقة إزاحة الرئيس "سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله "من الحكم لا تشبه غيرها فقد أطيح به إثر أزمة سياسية، دامت أكثر من ثلاثة أشهر، من قبل الأغلبية البرلمانية التي كانت تسانده ثم انقلبت عليه قبل أن يطاح به من قبل العسكر الذين سبق لهم دعمه في الانتخابات الرئاسية الماضية . لكن بعد ذلك تغيرت الأمور، وقامت المعارضة الموريتانية بتصعيد الموقف فلم تؤيد الانقلاب ولم يهدأ لها بال طيلة ال9 أشهر الماضية فقد استمرت احتجاجاتها وتكثفت في المدة الأخيرة، كما أن المجموعة الدولية لم تزك المجلس العسكري، فقد ندد به الاتحاد الإفريقي وحذر الاتحاد الأوروبي من مغبة التطورات السيئة للوضع في موريتانيا، وتوجت الضغوط الدولية بإطلاق سراح الرئيس المطاح به "سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله "والإعلان عن انتخابات رئاسية ولكن تقدم "محمد ولد عبد العزيزّ رئيس المجلس العسكري الذي نصب بعد الانقلاب العسكري ، للترشح لها اعتبرته المعارضة تكريسا للأمر الواقع حيث أن رئيس المجلس العسكري سيتحول الى رئيس للجمهورية. وبالتالي سوف تكون الانتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها الأسبوع المقبل تكريسا لحكم محمد ولد عبد العزيز، إذا لم يتم الاتفاق بين المعارضة والحكومة العسكرية خلال لقاء السينغال التي اقترحت تأجيل الانتخابات والدخول في مرحلة انتقالية لتجاوز الخلافات . * عبد الكريم تفرقنيت - كاتب صحفي