توعد وزير التربية الوطنية أبوبكر بن بوزيد أساتذة الأطوار الثلاثة، الإبتدائي والمتوسط والثانوي، بقبضة من حديد في حال الغياب غير المبرر سواء بالطرد أو الإحالة على المجلس التأديبي لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وقال بصريح العبارة إن أي احتجاج في قطاع التربية يعتبر احتجاجا ذا أغراض سياسية، والحجة في ذلك أن قطاع التربية كان له الفضل في حسم ملف الزيادات في أجور الأساتذة على مستوى الوظيف العمومي، على صعيد آخر دعا مدير الأمن الوطني اللواء الهامل عبد الغني الى اعتماد أسلوب التوعية والإرشاد مع السائقين عوض إبراز أرقام السحب الأسبوعي والشهري لرخص السياقة. بين أسلوب الوعيد والتهديد والترهيب من قبل وزارة التربية والترغيب، والنصح والترشيد من قبل المديرية العامة للأمن الوطني، في تعاملهما مع المستخدمين والمواطنين، يطرح السؤال التالي ما هي الوسائل الناجعة لحل السلطات مشاكلها مع المواطنين؟ وهل التهديد والوعيد والقبضة الحديدية أسلوب فعال في تسوية مشاكل القطاعات المهنية؟ خصوصا وأن الوعد بالضربة الحديدية موجه لقطاع المربين أي أساتذة الأطوار الثلاثة، علما أن عدد الأساتذة في الأطوار الثلاثة بلغ خلال سنة 0102 نحو 57 ألف أستاذ في التعليم الابتدائي و 061 ألف في التعليم المتوسط و07 ألف أستاذ في التعليم الثانوي ومجمل مستخدمي قطاع التربية الوطنية يبلغ نحو 007 ألف موظف، حيث يعد أكبر قطاع في الوظيف العمومي، وربما في جميع القطاعات الوظيفية والاقتصادية في الجزائر، وما يميز هذا القطاع هو أن معظم المشتغلين به من المتعلمين من مربي الأجيال القادمة، أي أنه يشرف على أكثر من 8 مليون من المتمدرسين في الجزائر، وهو جيش حقيقي يشكل المؤشر الواقعي لمستقبل الجزائر، حتى أن الدخول الاجتماعي أصبح مرتبطا بالدخول المدرسي، وفي هذا الصدد هل يعقل أن يخاطب المسؤول الأول عن قطاع التربية منتسبيه بلغة التهديد بمجرد أنه كان الأول في تسوية ملف التعويضات والقانون الأساسي للقطاع، مع العلم أن تلك الزيادات المعلن عنها في وسائل الإعلام التهمتها زيادة الأسعار في شهر رمضان بشكل رهيب حتى بات البعض يتمنى لو تعود الأسعار الى سابق عهدها قبل الزيادة في الأجور، حيث تعمقت الهوة بين نسب الزيادة في الأجور ونسب الزيادة في الأسعار. مقابل هذا الخطاب التهديدي برز خطاب ودي على لسان القائد الجديد للشرطة الجزائرية اللواء الهامل عبد الغني، ففي زيارة له الى ولاية في غرب الجزائر عبر اللواء عن استغرابه للبيانات الصادرة عن المديريات الولائية للشرطة بشأن الحصيلة الأسبوعية أو الشهرية لسحب الرخص، وكيف يتعامل بعض أفراد الشرطة مع مخالفات سائقي السيارات بالسحب الفوري لرخص السياقة عوض اعتماد لغة الحوار الودي الذي يعتمد على النصائح قبل العقوبة، أي أن الأصل هو التربية وليس المعاقبة لأن الهدف هو تغيير سلوك الناس الى ما هو أنسب تماشيا والظروف الجديدة، وأعتقد أن الحوار والدعوة الحسنة هي لغة قطاع التربية أكثر من قطاع الشرطة الذي يعتمد على وظيفة محاربة الجنح والمخالفات والجرائم والفساد، ولنا في قضية المصالحة الوطنية خير دليل على ذلك حيث تغلب منطق المصالحة الوطنية على خطاب الاستئصال والحل الأمني الجذري منذ وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الى سدة الحكم في أبريل 9991 من خلال قوانين المصالحة الوطنية والوئام المدني التي مكنت من تحييد 9 آلاف مسلح من العمل الإرهابي والاندماج في المجتمع، مما أدى الى تحقيق الأمن بنسبة تصل الى أكثر من 59 بالمئة في ربوع الوطن، حيث عادت الحياة الى أماكن كانت تعد ثالوث الموت وعادت التنمية الى مناطق ذكر اسمها كان يثير الرعب. خطاب الترغيب في الشرائع السماوية وعلى رأسها الإسلام يعتبر الأصل قبل خطاب التهديد والترهيب والوعيد، والدعوة الحسنة هي أصل الدعوة الإسلامية، والقبضة الحديدية هي آخر آسلوب يلجأ اليه المسؤول في أي قطاع، خصوصا إذا تعلق الأمر بقطاع التربية، حيث المؤسسة التربوية التي تتميز بأنها من أبرز المؤسسات التي تساهم في التنشئة الاجتماعية الى جانب مؤسسة الأسرة.