شرعت الحكومة البريطانية في تنفيذ عفو قانوني عن المهاجرين غير الشرعيين في محاولة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد لإيجاد مخرج نهائي لمشكل الهجرة السرية وتسوية مئات الآلآف من ملفات طالبي اللجوء التي لم يفصل فيها منذ نهائيات تسعينيات القرن الماضي. وذكرت تقارير رسمية أن وزارة الداخلية فصلت إلى الآن في أمر 135 ألف شخص رفضت طلبات لجوئهم في السابق، لكنهم لم يرحلوا إلى بلدانهم الأصلية، حيث وعلى الرغم من إقامتهم غير الشرعية تحصلوا بموجب العفو القانوني الحالي على الإقامة الدائمة التي تمنحهم كافة حقوق المواطنين باستثناء جواز السفر وحق الانتخاب. كما أشارت نفس التقارير إلى أن العملية تسير بسرعة وبمعدل ألفي ملف في الأسبوع، الأمر الذي يجعلها سابقة في تاريخ بريطانيا التي ظلت حكوماتها المتعاقبة ترفض فكرة العفو عن ''الحراڤة'' بحجة أن ذلك سيشجع أفواجا أخرى من المغامرين لدخول البلاد على أمل الاستفادة من عفو مماثل. وسبق ل ''المستقبل'' أن أشارت في استطلاع سابق إلى استفادة أعداد كبيرة من الجزائريين من وثائق الإقامة والتي كانت تخص في الشطر الأول أرباب العائلات، قبل أن تشمل العملية في الأسابيع القليلة الماضية جميع الأشخاص الذين أودعوا ملفات اللجوء منتصف وأواخر التسعينيات ومعظمهم من الشباب الذي دخل بريطانيا عبر دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا بجوازات سفر أوروبية مزورة. وكانت السلطات البريطانية لا تترك خيارا للمهاجرين السريين في حال إلقاء القبض عليهم سوى الترحيل إلى بلدانهم أو تقديم طلبات اللجوء، وهو ما كان يفضله أغلبهم خصوصا وأنهم انفقوا أموالا طائلة للوصول إلى بريطانيا. ولا توجد إحصاءات رسمية عن أعداد الجزائريين المقيمين بصفة غير قانونية أو الذين استفادوا من العفو، إلا أن ما لاحظته ''المستقبل'' بين أفراد جاليتنا الوطنية في لندن يؤكد أن العدد معتبر ومن المرجح أن يرتفع أكثر لا سيما أن بعض الصحف البريطانية أكدت أن حكومة ديفيد كامرون تنوي تسوية نصف مليون ملف يشمل مهاجرين من عدة أصول وجنسيات. والواقع أن العفو الذي صاغته الحكومة السابقة بقيادة غوردن براون سبقته قبل عامين ونصف عملية صياغة كاملة لقوانين الهجرة بصفة لم يسبق لها مثيلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إجراءات بدأت بمراجعة شاملة لشروط منح التأشيرات السياحية والدراسية فضلا عن تعقيد إجراءات الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية سواء من حيث تمديد فترة الانتظار أو من حيث التكاليف الباهظة الواجب دفعها، ناهيك عن سلم النقاط الذي يمر عليه المترشح قياسا بقيمة الضرائب التي دفعها خلال سنوات الإقامة وضرورة عدم ارتكابه أبسط المخالفات القانونية وغيرها من الشروط التفصيلية المعقدة، هذا دون الحديث عن تعزيز مراقبة وأمن الحدود خصوصا مع فرنسا التي كانت المصدر الأول للمهاجرين غير الشرعيين. وهذا المشروع يعطي فكرة عن خطة لندن لوضع حد لظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث أحكمت غلق المنافذ في وجه المهاجرين الجدد وأحكمت بالمقابل قبضتها على سوق العمل في وجه ''الحراڤة'' القدامى لإجبارهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية دون أن تضطر لدفع تكاليف الترحيل، وذلك في وقت كانت دائرة الهجرة قد بدأت في استقبال ملفات ''حراڤة'' آخرين. هذه المبادرة تؤكد على أن الحكومة البريطانية قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من وضع حد لظاهرة الهجرة غير الشرعية بعد عقود من استفحالها في كثير من الدول الأوروبية، كما تكشف نفس الإجراءات عن أن دخول بلاد الملكة إليزابيث الثانية سيصبح أمرا معقدا جدا للمهاجرين الشرعيين وعملية مستحيلة للمغامرين والحراڤة.