يعتبر الاستروجن من الهرمونات الأنثوية التي يفرزها المبيض أساساً، لكن العلم توصل أخيراً إلى أن أدمغة الرجال والنساء تفرز نوعاً من الاستروجين يعزز القدرات المعرفية للإنسان. يفرز الجسم الاستروجين أساساً من المبايض، ومن الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلية، ثم اكتشف العلماء نوعاً خاصاً من هذا الهرمون يفرزه الدماغ. وهناك ثلاثة أنواع من هرمون الإستروجين، الأول هو هرمون الإستراديول الذي يعتبر أشهر الأنواع في السائدة عمر الإنجاب، والنوع الثاني هو هرمون الإستريول الذي يمثل هرمون الإستروجين خلال الحمل، وأخيراً النوع الثالث هو هرمون الإسترون الذي يعتبر النوع الوحيد من هرمونات الإستروجين التي تفرز بعد بلوغ المرأة سنّ اليأس. وباعتباره هرموناً أنثوياً في الأساس يتحكم الاستروجين بالحيض والانوثة الجسدية والسلوك الجنسي للمرأة. إلا ان عمل هذا الهرمون لايقتصر على الأمور الجنسية الخاصة بالمرأة، وأثبتت الدراسات أهميته في وظائف حيوية أخرى. إذ انه معروف منذ القدم أن جروح البشر المسنين تندمل أبطأ من جروح اليافعين. كما توصل العلم منذ فترة ليست بالبعيدة إلى أن لهذه العملية صلة بالهرمون الجنسي الاستروجين الذي يؤدي تقلص إفرازه في الشيخوخة إلى تباطؤ اندمال الجروح. وتوصل عمل أميركي-ياباني-بريطاني مشترك في السابق، من خلال تجاربه على الفئران، إلى اكتشاف آلية عمل الهرمون الجنسي المذكور على عملية التئام الجروح. وكتب العلماء في "مجلة التحقيقات الطبية" المتخصصة أن هرمون الاستروجين يكبح جماع مادة طبيعية معينة وظيفتها تعزيز حدوث عملية الالتهاب. ولا يقتصر مفعول الاستروجين على تسريع عملية اندمال الجروح فقط، لأن التجارب السابقة، من علماء جامعتي كورنيل وفاندربيلت، تكشفت عن شواهد تقول بأن الاستروجين يمكن أن يعين الإنسان في الوقاية من أمراض القلب. يعزز مرونة التشابكات العصبية وعلى أساس التجارب المختبرية على الفئران، توصل فريق من علماء جامعة أوغستا الأميركية إلى ان الاستروجين يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تعزيز مرونة التشابكات synaptic plasticity العصبية، وأن يؤدي بالتالي إلى تعزيز ذاكرة الإنسان وقدراته المعرفية. وكتب العلماء في مجلة"نيوروساينسيس" انهم بحاجة إلى دراسات سريرية أخرى على البشر، للتأكد من أن تأثير الاستروجين على الدماغ لايقتصر على الفئران. ويربط الباحثون هذه الوظيفة الجديد بنوع من الاستروجين اسمه17-بيتا استراديول تنتجه الخلايا العصبية في مقدمة الدماغ بمساعدة انزيم"اروماتيز". وكتب ليوجياو لو، من جامعة أوغستا، ان آلية عمل هذا النوع من الاستروجين غير معروفة، ولكن هناك أدلة على أن كبح جماح انزيم"ارماتيز" يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الذاكرة أو فقدانها. بهدف الكشف عن آلية عمل17-بيتا استراديول وانزيم"اروماتيز" والخلايا العصبية التي تفرزه، أجرى ليوجياو لو وفريق عمله التجارب على الفئران. وهندس العلماء هذه الفئران وراثياً بشكل حرم الخلايا العصبية في مقدمة الدماغ من إنتاج انزيم"اروماتيز". ذاكرة محدودة بلا استروجين أدى وقف فرز "الاروماتيز" إلى انخفاض مستواها في الخلايا العصبية في مقدمة الدماغ المسؤولة عن فرز الهرمون. كما انخفض مستوى الاستروجين في هذه المناطق بنسبة تتراوح بين70-80%، بحسب تقرير العلماء في"نيورو ساينيسيس". قاس العلماء أيضاَ نشاط ووظائف العديد من أجزاء مقدمة الدماغ الحيوية في عملية بناء الذاكرة والقدرات المعرفية والتعلم، مثل منطقة الهايبوكامبوس(الحصين) المهمة في الذاكرة البعيدة المدى وتوسيع المعارف، ومنطقة القشرة الدماغية المهمة في الذاكرة والتركيز وعملية التفكير. وكانت النتيجة ان الفئران ماعادت تتذكر جيداً كما تفعل الفئران الطبيعية في مجموعة المقارنة، بحسب الباحث داريل بران الذي شارك في التجارب. وعلى هذه الأساس فقدت الفئران الكثير من أحساسها وذاكرتها بالمكان، وما عادت تتعرف على الحالات الخطرة كما في السابق. المهم أيضاً أن هذا الضعف في الذاكرة والمعرفة شمل فئران التجارب من الذكور والإناث، لكن العجز كان أكثر وضوحاً لدى الإناث. وفي الفحوصات على أنسجة عصبية استمدت من أدمغة الفئران المهندسة وراثياً، ظهر أن التشابكات العصبية فقدت الكثير من مرونتها بسبب فقدان17-بيتا استراديول. وترافقت هذه التغيرات مجدداً مع فقدان كبير في ذاكرة ومعارف الفئران. منظم عصبي استعادت الفئران، التي أجريت التجارب عليها، ذاكرتها وقدراتها بعد أن سمح لهرمون الاستروجين بالوصول إلى الخلايا العصبية في عملية الذاكرة والاستيعاب والقدرة المعرفية، بحسب داريل بران. فهو يلهب دوراً مهماً في مرونة التشابكات العصبية وفي الاتصالات بين الخلايا العصبية، وبالتالي في بناء الذاكرة والمعارف. ويجد العلماء انه من الضروري متابعة البحوث في موضوع الاستروجين، لأن العديد من الأسئلة ما زالت مفتوحة. كيف ينظم الدماغ عمل انزيم"اروماتيز"؟ وهل ينخفض فرز الاستروجين من قبل الدماغ عند تقدم السن؟ وكيف يمكن وقف ذلك؟