خرج الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة فإذا خرجنا من عندك فآنسنا أهلنا وشممنا أولادنا أنكرنا أنفسنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم إذا خرجتم من عندي على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد حتى يذنبوا فيغفر لهم) قلت: يا رسول الله؛ مم خُلق الخلق؟ قال: (من الماء) قلت: الجنة ما بناؤها؟ قال: (لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها الؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم)كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب، إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة وتعليم ما ينفع في الدين كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يبشر وينذر، وسماه الله (مبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) فقيل: سراجا للمؤمنين في الدنيا ومنيرا للمذنبين يوم القيامة بالشفاعة، وسمي سراجا لأن السراج الواحد يوقد منه ألف سراج ولا ينتقص من نوره شيء، كذلك خلق الله الأنبياء من نور محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينقص من نوره شيء. قال العلماء رضي الله عنهم: والسُرُج خمسة: واحد في الدنيا، وواحد في الدين، وواحد في السماء، وواحد في الجنة، وواحد في القلب، ففي الدنيا: النار، وفي السماء: الشمس، وفي الدين: محمد صلى الله عليه وسلم، وواحد في الجنة: عمر سراج أهل الجنة، وفي القلب: المعرفة والتبشير والإنذار وهو الترغيب والترهيب، فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه كما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث: رقة القلب والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.