فأما رقة القلوب فتنشأ عن الذكر فإن ذكر الله يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه قال الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقال الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) وقال تعالى: (وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وقال الله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)وقال العرباض بن سارية: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون وقال ابن مسعود: نِعم المجالس المجلس الذي تُنشر فيه الحكمة وترجى فيه الرحمة، هي مجالس الذكر. وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: أدنه من الذكر. وقال: مجلس الذكر محياة العلم، ويحدث في القلب الخشوع، القلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر.وأما الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فبما يحصل في مجالس الذكر من ذكر عيوب الدنيا وذمها والتزهيد فيها، وذكر فضل الجنة ومدحها والترغيب فيها، وذكر النار وأهوالها والترهيب منها، وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة وتغشى السكينة وتحف الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، وهم قوم لا يشقى بهم جليسهم فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبا، وربما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له، وهي رياض الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: (مجالس الذكر).