ألقى الوزير الاول أحمد أويحيى يوم السبت بأديس أبابا (اثيوبيا) خطابا باسم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة القمة ال10 لمنتدى رؤساء دول وحكومات الآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء. فيما يلي نص الخطاب: - السيد رئيس منتدى الآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء - أصحاب الفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات - السيدات والسادة أعضاء مجموعة الشخصيات المرموقة للآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء - أيتها السيدات أيها السادة إن تقديم تقرير الجزائر حول مدى تنفيذ برنامج عملها في مجال ترشيد الحكم يتيح لنا الفرصة لضبط تقييم صارم للأداءات كما للنقائص المتعلقة بمختلف جوانب الحكم الراشد في بلادي منذ قمة المنتدى التي انعقدت باكرا. غير أنه لابد من التوضيح مقدما بأن التقرير المعروض عليكم ينبغي أن يوضع في سياقه كنتيجة للجهود التي بذلت من قبل سائر الأطراف الفاعلة في التنمية الاجتماعية - الاقتصادية والتي كانت مرفوقة بجملة من الإصلاحات التي تمت مباشرتها في المجالات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب تنفيذ أربعة برامج وطنية وجهوية للتنمية على مدى السنوات الممتدة بين 1999 و2009 رصد لها مبلغ يزيد عن 200 مليار دولار من النفقات العمومية. علاوة على ذلك فإن المسعى المتبع في إعداد التقرير يقوم على الخيار الذي اعتمدته الجزائر والمتمثل في تنفيذ سياسة تنموية وترشيدية للحكم تنصهر بأكبر قدر مع منطق الآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء ومع الغايات المبدئية التي تنشدها. ولا أدل على ذلك من التناغم الذي بات يتأكد بين برنامج الحكومة وبرنامج عمل الجزائر في مجال ترشيد الحكم. وأخيرا فإن الحكم الراشد كما تبتغي ترقيته الآلية الافريقية للتقييم من قبل النظراء يتوافق في فلسفته وبعده مع الهدف ذاته الذي تتوخاه الورشات الكبرى لإصلاح هياكل الدولة والمجتمع التي باشرتها بلادي منذ عدة سنوات. السيد الرئيس انطلاقا من تقديرات وانتقادات اللجنة والمنتدى وتوصياتهما فإن التقرير المعروض عليكم يبرز بوضوح الأولوية الممنوحة لاستكمال مسعى المصالحة الوطنية كشرط لا محيد عنه من أجل تعميق الاستقرار الوطني في خدمة تعزيز وضعية البلاد الاقتصادية والاجتماعية. وبهذا الشأن فإن الإجماع الوطني الحاصل حول هذا المسعى قد سمح برفع الكثير من العقبات والتحديات ومنها تصالح الجزائريين مع ذاتهم والتكفل بمخلفات المأساة الوطنية. وقد كان لابد للاشواط التي سجلت في هذا الاتجاه وتجسدت بوضوح في تلك النسبة العالية للملفات التي تمت معالجتها نهائيا من أن تبعث لدى السلطات العمومية عزيمة حازمة على مواصلة جهودها المبذولة في سبيل ترقية واستكمال مسار المصالحة الوطنية. كما أن الحرص على تعبئة المجموعة الوطنية برمتها حول تحدي التنمية دون إقصاء ولا تهميش قد دفعنا إلى القيام بمعالجة جذرية لوضعيات الهشاشة والإقصاء في مجال السكن والتشغيل. ولهذا الغرض فقد وظفت الجزائر شتى الوسائل وباشرت الأعمال الكفيلة برفع هذا التحدي وهي عازمة كل العزم على مواصلة رفعه والسهر على تعزيز هذا الجهد. أما التحدي الآخر الذي يوليه المنتدى الافريقي أهمية خاصة ويملك بلدي إرادة راسخة على رفعه فيكمن في تعزيز دولة الحق والقانون التي تصبح ممارسة الحكم الراشد دون قيامها ضربا من الخيال ومجرد أوهام. السيد الرئيس إن الجزائر منذ المصادقة على تقريرها التقييمي قد قامت بتنظيم انتخابات تشريعية وأخرى للمجالس المحلية. ويمكن القول أن الحصيلة المستخلصة تسمح بصفة موضوعية بتقييم هذه الانتخابات إيجابيا سواء بالنظر إلى شروط تنظيمها وسيرها أو من حيث ضمانات الشفافية والشرعية وحرية اختيار الناخبين التي كرستها حيث أجريت عمليات الاقتراع هذه في ظل الاحترام الصارم للحقوق التي يمنحها القانون الجزائري للمترشحين ومنها حق الحصول على محضر فرز الاصوات على مستوى كل مكتب تصويت وهو إجراء سبق لهذا المنتدى الموقر أن اعتبره من قبيل ممارسة الحكم الراشد. وبودي عشية موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجري في أفريل القادم أن أعلن بأن كل الشروط التي تضمن حرية اختيار الناخبين والتنافس السليم والشفافية الحقيقية سيتم توفيرها وتنفيذها خلال هذه الاستشارة الهامة. كما أود أن أعلن بأن الجزائر قد بادرت من الآن بدعوة ملاحظين دوليين ومن بينهم ملاحظين من الاتحاد الأفريقي من أجل متابعة سير هذا الاقتراع. ولا شك أن هذه المكاسب التي أشرت إليها من شأنها أن تعزز ذلك التقدم المحقق في مجالات ترقية حقوق الانسان والحريات العامة واستقلالية العدالة ومشاركة المجتمع المدني وكذا في مجال ترقية حقوق الضعفاء من الأشخاص وحمايتها. ولا أدل على ذلك من أن إصلاح العدالة ما انفك يسجل تقدما مستمرا حيث كان آخر ما تحقق في هذا المجال يتمثل في التعديلات التشريعية التي أدخلت على نحو يساهم في التكفل بأكبر نجاعة بحقوق المتقاضين وفي تقريب العدالة أكثر فأكثر من انشغالات المواطن وتمكينه من الوصول إلى خدماتها بشكل أفضل ولاسيما بالنسبة للأشخاص المعوزين أو الضعفاء. بهذا الصدد لا يفوتني أن أتطرق إلى مسألة الحكم بالإعدام لأذكر بأن تنفيذه في الواقع يشهد تأجيلا في الجزائر منذ سنة 1993 وكذا بإلغاء هذا الحكم فيما يخص الجرائم المرتكبة في حق الممتلكات. من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية التساهمية التي ترتكز على حوالي 80.000 جمعية وطنية ومحلية معتمدة قد حققت أشواطا أكيدة وهي مرشحة إلى مزيد من الدعم من خلال المراجعة التي ستتم في غضون هذه السنة للقوانين المتعلقة بالجماعات المحلية المتمثلة في البلدية والولاية وكذا مراجعة القانون المتعلق بالجمعيات. في حين أن الجهود المبذولة في تعزيز دولة الحق والقانون قد باتت تقترن بإرادة الإجماع الوطنى على محاربة الآفات الاجتماعية التي لاتزال تعيق التنمية الاجتماعية الاقتصادية ومنها آفة الرشوة بوجه خاص. ولذلك فإن جهدا خاصا يبذل حاليا من أجل تحسين تكوين سلك القضاء قصد تمكينه من الاضطلاع التام بدوره في كافة المجالات بما فيها محاربة الرشوة والوقاية منها. وفي إطار التشريع الجديد المتعلق بمحاربة الرشوة المصادق عليه في شهر فبراير من سنة 2006 يسجل أن أزيد من 1000 قضية قد تمت جدولتها لدى المحاكم منها 900 قضية صدرت أحكام بشأنها. بل إننا أكثر من ذلك نسجل مساهمة متنامية باضطراد من المواطنين في مكافحة هذه الظاهرة وغالبا ما تكتشف حالات للرشوة ثم معاقبتها من قبل العدالة بمبادرة من الضحايا أنفسهم الذي تناوبهم في ذلك وسائل الإعلام الوطنية في أغلب الأحيان. ومع ذلك فإننا ندرك أن استئصال آفة الرشوة تتطلب مزيدا من الجهود والتعبئة والوسائل. وإن الدولة تحدوها الإرادة على توفير كل الشروط الكفيلة بتحقيق هذا الهدف وهي عازمة على رفع هذا التحدي بمساعدة جميع فعاليات المجتمع. السيد الرئيس إن الغاية المنشودة من التنمية الاجتماعية - الاقتصادية للجزائر تتمثل في المحافظة على المكاسب الاجتماعية والحد من الفوارق الجهوية والقضاء على الفقر وضمان نجاعة المنظومتين التربوية والصحية إلى جانب تمكين المواطن من الحصول على منصب شغل وعلى سكن لائق. وإن هذا المجهود المبذول ترافقه إرادة توحيد إسهامات سائر الأطراف الرئيسية كما يدل على ذلك العقد الاقتصادي والاجتماعي المبرم بالإشتراك بين الحكومة وأرباب العمل والنقابة إلى جانب مقاربات مماثلة مع المجتمع المدني ووسائل الإعلام. مع العلم أن هذا المسعى الذي يشمل أيضا مسائل حساسة مثل التكفل بفئتي الشباب والنساء اللتين تشكلان أغلبية السكان وكذا ضرورة المحافظة على البيئة يمثل المحرك الأساسي لاستراتيجية الجزائر الرامية إلى تجسيد التزاماتها التي تعهدت بها أمامكم في إطار برنامج العمل للفترة 2007-2009. وفي الواقع فإن الجزائر قد وفرت الوسائل اللازمة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتوخاها آجلا وبالتالي فإنها من الآن تتواجد في موقع جيد بالنسبة لتجسيد أهداف الألفية للتنمية. هكذا وفي مجال السكن فإن برنامج إنجاز حوالي مليون ونصف مليون وحدة كان قد سطر منذ سنة 2004 . وقد تم مع نهاية السنة الفارطة تسليم حوالي 850.000 سكنا في حين يجري حاليا إنجاز أزيد من 500.000 وحدة سكنية أخرى. أما في ميدان التشغيل فإن الاستراتيجية التي باشرتها الحكومة منذ عشرية قد كانت مكثفة حيث ارتكزت في آن واحد على الاستثمار وورشات التنمية وعلى عمليات دعم الادماج الاجتماعي والمهني لغير العاملين وكذا على برامج التشغيل المؤقت المدعمة من قبل مؤسسات التنمية الدولية مما مكن من تقليص حدة البطالة التي انتقلت نسبتها من 29,3 بالمائة سنة 1999 إلى 11,8 بالمائة سنة 2007 وتشير التوقعات الوطنية من الآن إلى أن هذه النسبة ستنخفض إلى أقل من 10 بالمائة في آفاق 2010. واسمحوا لي كذلك بأن أتناول بعض المؤشرات الأخرى التي تدل على التقدم الذي أحرزته الجزائر في ميدان التنمية البشرية. وبهذا الصدد تجدر الإشارة بالنسبة للامل في الحياة إلى أن معدل العمر قد انتقل من 72 سنة في 1999 إلى 75,7 سنة في 2007. وبلغت نسبة التمدرس 96,5 بالمائة مقابل 90,6 بالمائة في سنة 2000. أما نسبة الربط بشبكات الكهرباء فقد انتقلت من 85 بالمائة سنة 1998 إلى 98 بالمائة سنة 2008 في حين تزايدت نسبة الربط بشبكة الماء الشروب لتنتقل من 78 بالمائة سنة 1999 إلى 93 بالمائة سنة 2007. وبالنسبة للمكونات البشرية للمجتمع فإن تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء ما انفك يسجل تقدما إيجابيا لصالح النساء في قطاعات كاملة من النشاط الوطني مثل التربية والصحة مع تسجيلهن لقفزة قوية في قطاعات أخرى مثل القضاء. علاوة على ذلك فإن التعديلات التي أدخلت مؤخرا على الدستور ستعزز الحقوق السياسية للمرأة من خلال الرفع من حظوظ تمثيلها ضمن المجالس المنتخبة. بيد أنه فضلا عن التعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة ومنها التمتع بالجنسية الجزائرية بالنسبة لكل طفل يولد بالجزائر من أب جزائري أو أم جزائرية يسعدني أن أعلن أمامكم بأن بلادي قد رفعت تحفظاتها على اتفاقية الأممالمتحدة المتعلقة بإزالة كل أشكال التمييز ازاء المرأة. وضمن هذا المنظور ذاته فإن الدولة ستواصل الوفاء بالتزامها من أجل القضاء على كل السلوكات الرامية الى المساس بكرامة المرأة وسلامتها. السيد الرئيس إن الجزائر على الصعيد الاقتصادي تملك إطارا ايجابيا للاقتصاد الكلي. بالفعل فقد تم التحكم في التضخم ليستقر سنة 2008 في حدود 4 بالمائة رغم شدة التضخم المستورد الذي لم يؤثر على السكان بفضل التدخل الهام للميزانية العمومية لدعم أسعار الحبوب والحليب بمبلغ يناهز ملياري (2) دولار. وكذلك الحال بالنسبة للحسابات العمومية التي كانت ايجابية سواء على مستوى الرصيد الاجمالي للخزينة أو من حيث الادخار العمومي. وقد باتت الخزينة اليوم تتوفر على ادخار يعادل 60 مليار دولار. في حين أن المديونية الخارجية قد تم تقليصها لتنتقل من حوالي 30 مليار دولار سنة 1999 إلى أقل من 5 ملايير دولار فقط حاليا. أما النمو الاقتصادي فقد كان معتبرا وهو يتحرر تدريجيا من هيمنة قطاع المحروقات حيث سجل النمو خارج المحروقات نسبة تفوق 6 بالمائة خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك فإننا ندرك في نفس الوقت أنه من الضروري الاستمرار في إصلاح تسيير النفقات العمومية ومواصلة الاصلاحات الاقتصادية من أجل تعزيز انتاجية وتنافسية الاقتصاد الوطني كما ندرك ضرورة المثابرة في الجهد المتواصل للدولة كدعامة للتنمية والنمو. والواقع أن عودة الدول في العالم المتطور إلى الاهتمام من جديد بالشؤون الاقتصادية أمام الأزمة يعكس ذلك السبيل الذي انتهجته الجزائر طوال هذه العشرية من أجل دعم تنميتها بل لقد أصبحنا بالأحرى نلقى تشجيعا على المضي في هذا السبيل كما يتبين ذلك من استنتاجات المجلة الأخيرة لصندوق النقد الدولي التي نشرت منذ بضعة أيام فقط في بلادنا كدولة عضو. وأود أن أشير في الختام إلى أن البرنامج الخماسي للتنمية المرشح ابتداء من السنة المقبلة لاستكمال الجهود المبذولة منذ سنة 1999 سيكون هدفه الأساسي يتمثل في إضفاء مزيد من المردودية على الأشواط التي تحققت في مجال تثمين المورد البشري وتحديث الاقتصاد وإنجاز منشآت أساسية واعدة بحركية تنموية حقيقة. تلكم السيد الرئيس أصحاب الفخامة والمعالي أيتها السيدات أيها السادة هي بعض الملاحظات الأولية الملائمة التي حرصت على تقاسمها معكم والأمل يحدوني في أن أكون قد أفدتكم بالتوضيحات اللازمة. وسأظل مستعدا للرد على الملاحظات التي قد تتفضلون بتقديمها حول هذا الموضوع.