على منهج القناعة سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام والتابعون لهم بإحسان؛ لأنهم تربوا على يد المعلّم صلى الله عليه وسلّم؛ فقد عاشوا أول الأمر على الفقر والقلة، ثم لما فُتحت الفتوح واغتنى المسلمون ما تخلّوا عن أدبهم الذي أدبهم عليه الإسلام؛ بل بقوا على قناعتهم وزهدهم، وأنفقوا الأموال الكثيرة في سبيل الله؛ وهذه نماذج من عيشهم وقناعتهم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن تُرى عورته. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله قوله: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة. يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين.ثم فتح الله على المسلمين وأصبح المال العظيم يرسل إلى عائشة رضي الله عنها فبقيت على قناعتها وزهدها وأخذت تفرق المال على محتاجيه؛ فقد بعث إليها معاوية رضي الله عنه بمئة ألف درهم. قال عروةُ ابن الزبير: فوالله ما أمستْ حتى فرَّقتْها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحماً ! فقالت: ألا قلتِ لي؟. لقد نسيت نفسها رضي الله عنها، وفرقت مالها، واستمرت على قناعتها بعد وفاة رسول الله. فهل تقتدي نساء المسلمين بل والرجال بعائشة رضي الله عنها بدلاً من سَرَف الإنفاق على النفس وحظوظها واللباس والزينة ؟ !وعن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع، قالوا : ما يُجزعك يا أبا عبد الله، وقد كانت لك سابقة في الخير؟ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحاً عظاماً، قال: يُجزعني أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إلينا قال: (ليَكْفِ اليوم منكم كزاد الراكب) أي ليكن مال أحدكم ما يكفيه يومَه أو سفره؛ فهذا الذي أجزعني، فجُمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر ديناراً، وفي رواية: خمسة عشر درهماً.وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم رحمه الله تعالى يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه فكتب إليه: قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك منها عني قنعت.