لقد وردت مادة كلمة "شَوَرَ" في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، الأولى في قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) /الشورى: 38/ وهي آية مكية نزلت قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة، وعلى ذلك فلا يمكن قصر هذه الآية على الجانب السياسي، وإن كانت تتضمنه بعموم اللفظ، وقد وردت في مدح الأنصار على ما ذكره طائفة من أهل التفسير. قال القرطبي: كانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه، ثم عملوا عليه، فمدحهم الله تعالى به، وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وورود النُقَباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له، وقيل: تشاورهم فيما يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض. والآية دالة على مدح الشورى، كما هي دالة على مدح من يعملون بها، وهم المؤمنون من أي قبيل كانوا وفي أي زمان وجدوا، وجملة (وأمرهم شورى بينهم) جملة اسمية مما يعني ثبات هذا الأمر واستقراره في الممدوحين بها. قال الجصاص: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) /الشورى: 38/ يدل على جلالة موقع المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة، ويدل على أنَّا مأمورون بها.والثانية: شاور في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) /آل عمران: 159/ وهي آية مدنية جاءت بلفظ الأمر، فهي تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وكل من يقوم مقامه في قيادة الأمة بمشاورة المسلمين، وذلك لما في الشورى من الخير والمصلحة؛ فعن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) قال: ما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل، وعن الحسن في قوله عز وجل: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) قال: علّمه الله سبحانه أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده.والثالثة: تشاور، في قوله تعالى: (فَإنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) /البقرة: 233/ وهي تتحدث عن فطام الرضيع؛ فإن الله تعالى قد جعل للرضيع سنتين في الرضاعة كما قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) /البقرة: 233/ إلا أن يتفق الوالدان على الفِطام فبل الحولين عن تراض منهما وتشاور، فيما فيه مصلحة المولود لفطمه.