قد تكون السوق المالية السعودية، التي تعرف باسم "تداول"، هي السوق الأضخم والأكثر سيولة في العالم العربي الغني بالنفط، لكن حتى وقت قريب كان من المستحيل تقريباً على المستثمرين الدوليين أن يصلوا إليها، وهو الأمر الذي يتغير الآن بصورة مؤقتة. طرأت طفرة على سوق المال السعودية في ما يتعلق بتعاملات المستثمرين الأجانب فيها، وأشارت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إلى أنه منذ سماح هيئة أسواق رأس المال في السعودية في أوت عام 2008 للمستثمرين الأجانب بشراء أسهم سعودية بشكل غير مباشر عن طريق "مقايضات العائد الإجمالي" عبر وسطاء مرخصين في المملكة، بات بإمكان المستثمرين الدوليين الوصول بشكل مباشر إلى الأسهم الفردية للمرة الأولى. وذلك في الوقت الذي لم يكن يُسمَح فيه سابقاً إلا للمستثمرين السعوديين والخليجيين أو البنوك الدولية "المحلية"، مثل بنك إتش إس بي سي، بشراء الأسهم، التي تسببت في تقليص تدفقات رأس المال الدولية بشدة. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الصحيفة أن المشتريات الصافية التي قام بها المستثمرون الأجانب بقيمة 1.1 مليار دولار في أسواق الأسهم السعودية في الفترة ما بين مارس عام 2009 و جوان عام 2010 لا تمثل سوى 0.83 % من رسملة سوق التعويم الحرة الحالية للبورصة السعودية، التي تبلغ قيمتها 324 مليار دولار، بالتزامن مع وجود تدفقات صافية صغيرة في جوان و جويلية للمرة الأولى هذا العام، فإن المصرفيين ومديري الأصول يتحمسون لقوة البورصة السعودية. وأكدت المجلة على أن انجذاب المستثمرين الأجانب إلى السوق المالية السعودية ليس بالأمر الذي يصعب الكشف عنه. وتوقعت أيضاً أن يعمل عدد السكان المحلي الكبير، والتركيبة السكانية الشابة، وعائدات النفط والغاز الكبيرة على دعم مرحلة من النمو الاقتصادي الصحي لسنوات مقبلة عدة. هذا وتشمل "تداول" بالفعل على العديد من أكبر الشركات في الأسواق الناشئة. ومن بين هذه الشركات الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، ومصرف الراجحي (أكبر مصرف إسلامي في العالم)، وشركة الاتصالات السعودية. إضافة إلى شركة المراعي المتخصصة في منتجات الألبان، وشركة جرير للتسويق، فضلاً عن المملكة القابضة، وهي مجموعة شركات يسيطر عليها الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال. في هذا الشأن، قال جمال الكيشي، الرئيس التنفيذي لدويتشه للأوراق المالية في السعودية، وهو الذراع المحلي لبنك الاستثمار الألماني، "من الواضح أن هناك اهتماماً متزايداً في أسهم الشركات الكبرى، لكن أيضاً في الشركات التي كنت أعتقد أنها غامضة بالنسبة إلى المستثمرين الدوليين". وتابعت الصحيفة حديثها في هذا السياق بالقول إن التغطية البحثية للأسهم السعودية قد زادت بصورة حادة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد من جانب المستثمرين الدوليين. كما ثبت أن السوق السعودي أكثر مرونة تجاه الأزمة المالية مقارنة بالأسواق المالية في الدول المجاورة للمملكة، كما نالت الجهة التي تنظمها، وهي هيئة أسواق رأس المال، على الثناء لمحاولتها القضاء على التداول من الداخل، والتلاعب في الأسواق، وضعف الإفصاح، وتلك هي المشكلات التي تواجهها معظم البورصات العربية على نطاق واسع. ومع هذا، يقول مصرفيون إن الاهتمام الدولي ب "تداول" مازال مقسماً، بسبب النفور من المخاطرة، وكذلك حقيقة أنها مازالت تصنف على أنها "سوق تخومية" من قِبل مقدمي المؤشرات، مثل مؤسسة ام إس سي آي بارا. وهو ما يعني أن الاستثمارات السعودية "غير قياسية" بالنسبة إلى صناديق الأسواق الناشئة، وهو الأمر الذي يحدّ من شهيتهم. وفي ختام حديثها، لفتت الصحيفة إلى أن هناك مصرفيين ومحللين متيقنين من أن المملكة العربية السعودية تستعد لكي تصبح جزءاً متزايد الأهمية من أسواق رأس المال الدولية، وتوقعوا حدوث عملية تحرر ببطء، لكن بثبات.