لقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، والميل إلى من يسعى في قضاء حاجاتها؛ ولذلك قيل:أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * * فطالما استعبد الإنسان إحسانوأولى الناس بالكسب هم أهلك وأقرباؤك؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وعندما سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة. ونحن منا من لا يبالي بكسب قلوب أقرب الناس إليه كوالديه وزوجته وأقربائه فتجد قلوبهم مثخنة بالكره أو بالضغينة عليه لتقصيره في حقهم، وانشغاله عن أداء واجباته تجاههم. ومن أصناف الناس الذين نحتاج لكسبهم ولهم الأفضلية على غيرهم الجيران لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره). وأي إكرام أكبر من دعوتهم إلى الهدى والتقى؛ بل قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه). ولذلك ينبغي أن نتحبب إلى الجار فنبدأه بالسلام ونعوده في المرض، ونعزيه في المصيبة، ونهنئه في الفرح ونصفح عن زلته، ولا نتطلع إلى عورته، ونستر ما انكشف منها، ونهتم بالإهداء إليه وزيارته، وصنع المعروف معه، وعدم إيذائه.. وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان الكامل عن الذي يؤذي جاره فقال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قال قائل من هو يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه). والبوائق هي الشرور والأذى.ومن أصناف الناس الذين ينبغي أن نكسبهم إلى صف الدعوة من تقابلهم في العمل ممن هم بحاجة إليك.. فإذا كنت طبيباً فالمرضى، وإذا كنت مدرساً فالطلاب، وإذا كنت موظفاً فالمراجعون. فلا بد من كسب قلوبهم من خلال تقديمك لأقصى ما تستطيعه من جهد في خدمتهم و إنجاز معاملاتهم وعدم تأخيرها.. وكم منا من يسمع من يدعو على موظف لم يكلف نفسه في تأدية ما عليه من واجبات في عمله ويؤخر معاملات الناس . وعند الترمذي وأبي داود بإسناد صحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة).وبالجملة فإن الوظيفة مجال خصب لكسب قلوب الناس وتبليغهم دعوة الله .. و إنما خُصصت هذه الأصناف الثلاثة من الناس بالذكر وهم الأهل أو الأقرباء والجيران ومن نلقاهم في وظائفنا لسببين هما: كثرة اللقاء بهم، والثاني كثرة التقصير أو الإهمال لحقوقهم مماله الأثر السلبي في تقبلهم لما ندعوهم إليه؛ إذن فالمسلم فضلا عن الداعية ينبغي أن يسع الناس كلهم بخلقه وتضحيته ولذلك وصفت خديجة الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.