رغم أن إبليس أخذ عطلته السنوية، إلا أن آثاره ما تزال في نفوس البشر. ولمن أراد أن يتأكد، فعليه أن يلاحظ سلوك البشر اليومي خلال رمضان وقبله، وكأن لا شيء تغير، ومن يدري قد يكون إبليس عجز عن آداء مهامه التي سخّر نفسه لأجلها بعدما تفوق عليه البشر عندنا في أمور يستغربها حتى إبليس، لهذا نحن لا نشعر بغيابه خلال هذا رمضان، لأن أعماله حاضرة. فهل يأتي يوم يحاكمنا إبليس، لأننا أحلناه على البطالة وخططه الوسواسية صارت تقليدية وبالية جدا، لأن البشر عندنا صاروا أكثر ذكاء وخبثا منه؛ يحوّلون الأموال بالمليارات ولا تدركهم العدالة، وإن طالتهم يلجأون إلى حيل تخرجهم بعد شهور، في الوقت الذي يعجز إبليس عن فعل ذلك، حتى أن مدير بنك لهف بنكا ولما دخل السجن تمارض، فأدخل المستشفى ولم يمض عليه سوى ساعات حتى فر بجلده نحو خزائن من المال لهفها من البنك. وليس هذا فحسب، حتى البشر العاديون يستطيعون أن يفعلوا ما لا يتخيله إبليس، فقد يبيع لك أحدهم الريح في قنينة ويقبض منك دون أن تشعر، ويبيعك آخر السمك في البحر، ويحلف لك الآخر برأس أولاده وما ملكت أيمانه كي تقرضه مالا، وبعدما يضحك عليك لا تجد له أولادا ولا زوجا. وفي زحمة كل هذا، الكل يشكو، الغني يشكو، والفقير والمسؤول وغير المسؤول، وكل يلعن أيامه، في زمن ماتت فيه البركة وأحيل فيه إبليس على التقاعد، وتحررت الناس من كل فضيلة وعرف وأخلاق.