اللوحة التشكيلية المنمنماتية تحفة فنية، يمكن أن تشكل عصارة جهد كرسه صاحبه للبحث عن غموض فني أو عن حركة إبداعية مناهضة للإمتثال، كما يمكن أن تعبر عن هوية وانتماء حضاري، وعلى ما يبدو هو حال الرسام "حكيم العاقل" من اليمن، الذي يؤكد أن لحظة التأمل وسيلة تقربنا من البعد الفلسفي والجمالي للحضارة الإسلامية، لدرجة أن لوحاته تثير فضولنا، فنجد أنفسنا نسبح في عالم يبرز بصدق منابع الفن الإسلامي الأصيل، ولا ينكر علينا استخدام التقنيات المعاصرة بهدف تقريب الذائقة الجمالية للآخر، "الأمة العربية" التقت بالفنان التشكيلي والناقد اليمني "حكيم العاقل"، على هامش المهرجان الدولي للمنمنمات والزخرفة الإسلامية بالجزائر، وعادت لكم بهذه الدردشة القصيرة. "الأمة العربية": بداية ما تقييمكم لمستوى الفنون الإسلامية الحديثة؟ الفنان التشكيلي والناقد اليمني " حكيم العاقل": كما تعرفين إن أهم المدارس الفنية العريقة في الفنون الإسلامية كالمنمنمات هي المدرسة التركية، الهندية، الباكستانية والإيرانية، وكما يتجلى لنا اليوم فالفنون الإسلامية يمكن تقسيمها إلى قسمين القسم التقليدي العادي وهو المتناول عند الناس، والقسم الثاني هو الحديث والمتطور الذي أخذ شرعيته وامتداده من الفن الإسلامي التقليدي، وإذا لاحظنا في الفنون الإسلامية وبخاصة في فن العمارة، باعتبارها الوعاء المكاني للإنسان و الحاوية لكل الفنون، نجد أن مختلف النقوش والزخرفة و التكوينات الهندسية المعقدة والزخارف النباتية أو الهندسية، تجمع بين العمارة الإسلامية القديمة و الحديثة، والفنانين الذي يدعون بأن أعمالهم ذات طابع فني إسلامي حديث، فهم يستقون في لحظة تأمل البعد الفلسفي والجمالي الموجود في الفن الإسلامي العربي القديم ويشكلون مرجعهم الأساسي. تنوعت مدارس الفنون الإسلامية منها الأكاديمية والكلاسيكية، ومنها التي تطالب بالتجديد، لا سيما في عصرنا هذا الذي دخل فيه الحاسوب حياتنا المعاصرة·· فإلى أي مدرسة ينتمي الأستاذ حكيم العاقل؟ أنا لست ضد أي تقنية أو جديد، لأن هناك من الفنانين من يستعمل الكمبيوتر في الفنون الإسلامية بذكاء، فنحن مثلا لما ننظم المسابقات في فن المنمنمات نمنع الأعمال الفنية التي نفذت بالحاسوب، وفي رأيي استعمال الكمبيوتر خطير من ناحية إعطائك الصورة الجاهزة دون التفكير والتخيل، لكن إذا استطاع الفنان أن يوظف هذه التقنية الحديثة بطريقة مقنعة في صيغ متعددة كالذي يقوم بعملية النحت أو أعمال أخرى، أو نسخ أعماله وتوزيعها على أوسع نطاق وبمبلغ زاهد. ومما يؤسف له أن العربي لم يستعمل تقنية الكمبيوتر بشكل جيد، ولازال ناسخ للمعلومة ولم يضف شيئا لثورة المعلومات الهائلة، بينما نجد الدول المتقدمة كاليابان أو الصين يستعملونه في إشاعة مختلف الفنون. نفهم من حديثك أنك تحبذ استعمال الكمبيوتر في أعمالك لتقريب الذائقة الجمالية للآخر؟ نعم، الحاسوب يقرب لك الذائقة الجمالية من خلال طبع أعمالك الفنية وفق برنامج خاص يوفر الحماية الفكرية لإبداعاتك. الأكيد أن فن المنمنمات أعقبه تطورا ملحوظا، فبعد أن كان حبيس الكتب، أضحى خاضعا للمسابقة وسوق البيع، برأيك وجود القطيعة اليوم بين الفنان والمفكر أو الفيلسوف يدني من قيمة اللوحة المنجزة؟ في الماضي من كوامن ضعف فن المنمنمات، أنه كان فن حبيس الكتب، إذ كان الأمير يكلف الوراقين بصناعة ورق التجليد وتذهبيه، والخطاطين بكتابة مضمون الكتاب، والرسامين بنسخه نسخة واحدة، حيث كان الكتاب المنجز يدوم سنتين أو أكثر، وهو بالأساس مرتبط بالعمل الفكري سواء كان شعرا أو قصة، ومن ثم نجد تواترية بين العمل الفني المرتبط بين المفكر والفيلسوف والفنان. حاليا القيمة السلبية أن الفنان يرسم لوحات منفصلة قد تكون استنساخ لأعمال قديمة ويعيش من مبيعاتها، وعليه فقيمة اللوحة اختلفت شروط احتياجاتها، وأضحت خاضعة للمسابقة ولسوق البيع بعد أن ولى زمن الكيف. في ظل الحملات المشوهة لديننا، هل فكر "حكيم العاقل" في دحض مزاعم الغرب من خلال لوحات تشكيلية ؟ دور الفنان يختلف اختلافا كليا عن دور السياسي، لأن عمله إبداعي يتمثل في إشاعة الجمال والفن في المجتمع، سواء كان في الأسرة، المدرسة، الجامعة أو الشارع أين يزرع مجموعة من القيم الإنسانية، وفيما يخص الإساءة للإسلام فهي حروب سياسية، اقتصادية، وثقافية، وفي الحقيقة نحن بحاجة لإشاعة الفنون بشكل دائم، وهذا جزء من الرد الجميل على الجهلة بديننا، نحن لا نريد أن ندخل في حروب يكفينا هزائم، نريد أن ندخل في عملية معقلنة ونقدم أنفسنا في شكل يتأقلم مع العصر.