بدأت العائلات الجزائرية شيئا فشيئا تتخلى عن بعض العادات السيئة، لاسيما في مجال ختان الأطفال بعدما كانت تعتمد على الطرق التقليدية، التي تكون عادة ممزوجة ببعض الطقوس، وهي ظاهرة لا صلة لها بالدين الحنيف، خاصة بعد ظهور معجزات إلهية مثل ولادة أطفال مختنين ولو أنها حالات نادرة، وهي دلالة على الانتقال الجذري من الأساطير والخرافات التي لا تمت للواقع في شيء والعودة إلى تعاليم الإسلام. الختان سنة حميدة أمر الله عَزَّ وجَلَّ بها وفرضها على الذكور خاصة، فقد روي عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) أنه قال: " إِنَّ مِنْ سُنَّتِي وَ سُنَّةِ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي النِّكَاحَ وَ الْخِتَانَ وَ السِّوَاكَ وَ الْعِطْرَ"، ويؤكد الفقهاء بأن للختان عملية صحية تقي الطفل قبل كل شيئ من الأمراض الخطيرة مثل السرطان، لأن قطعة الجلد تلك أوكما تسمى ب: " الغلفة " قد تكون منبتاً خصباً لإفرازات تؤدي إلى أمراض مميتة. الختان بداية مرحة "الرجولة" والختان كلمة مشتقة من فعل ختن يختن ختانا ويقال لها في العامية الجزائرية ب: " الطهارة" وهي كلمة مستعصية عن الترجمة، لكنها في جميع الحالات والأحوال تبقى عملية تترجم انتقال الطفل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، يعني بداية مرحة الرجولة، تشعر الأم أن ابنها كبر فتعبر عن فرحتها بأساليب ووسائل خاصة، بحيث تبدأ في تحضيرات العرس، وهي عملية تشرع فيها ربة البيت قبل الحفل بأسبوعين أوأكثر، من خلال تزيين البيت وتحضير الحلويات، ثم اختيار لباس الختان، ثم تحضير قائمة المدعوين، ويكون الطفل مثله مثل العريس، كل طلباته مستجابة وتعمل الأسرة على توفير له الجو الملائم لكي لا يخاف أو يهرب. فعن اللباس فهو عادة ما يكون مركب من (قميص، قندورة وسروال، بشماق أوحذاء عادي) بلون أبيض موحد، واللباس يختلف من عائلة لأخرى حسب المستوى الاجتماعي لكل منها، غير انه غالبا ما يكون اللباس وبخاصة في الشرق الجزائري مصنوع قماشه من القطيفة ومطرز بخيوط مذهبة (المجبود أوالفتلة)، كذلك تحضير الشموع والحنة، كما تقوم العائلة بتعليق منديل أحمر عند سقف البيت، وذلك لمدة أسبوع أو أكثر، وهو إشارة إلى أن ذلك البيت فيه وليمة الختان، وعادة ما يكون موعد ختان الطفل في نهاية الأسبوع ( الخميس أو الجمعة) أين يكون الكل في راحة. ليلة الحنّة أول خطوة تقوم بها أم العريس تحضر ابنها من خلال استحمامه، وفي ليلة الحنة تشرع بحضور الأهل والمَدْعُوِّينَ بتحضير الحنة وإشعال الشموع وتكون قبلها قد هيأت ابنها نفسيا لهذه العملية، ثم يرتدي اللباس الخاص بالختان، وتضع في رقبته منديلا أحمر، حتى لا تمسه الشياطين، وهي عادة دأبت عليها العائلات الجزائرية، لأن المنديل الأحمر مع الحنة الحمراء يحرسان الطفل من عين الحسود ويحفظانه من أي مكروه، كما تضع له "تميمة" في معصم قدمه اليمنى وهي عبارة عن قطعة كتان يكون ذا لون أبيض" سُرَّة " تضع فيه كمية من مادة (الكمّون، الملح والجاوي )، وتعلق له كذلك إبرة أو إبزيمة ( خُمسة) في جبينه لإبعاد عنه العين، ثم تقوم امرأة من أقارب الطفل ( العمة أوالخالة) لكن في الغالب تكون (الأم أو الجدة ) بوضع الحنة في قصعة مزينة بالشموع والتمر والحلويات ( الدّراجي) وتقوم الجدة ببلها بماء الزهر، حتى يكون له حظ في الحياة ثم وضعها في يدي وقدمي الطفل العريس، وعلى وقع طلقات البارود، تردد ابتهالات دينية ( الصلاة على النبي)، تعلوها زغاريد النسوة اللاتي يشرعن في تقديم الهدايا، وعادة ما تكون نقود، أوكما تسمى بالرشق، وهذا لإدخال الفرحة في قلب الطفل العريس وتشجيعه حتى لا يدخل الخوف قلبه، وفي الصباح تقام الولائم. الختان بين الأمس واليوم كانت الكثير من العائلات وأخرى ما تزال إلى اليوم تعتمد في ختان أطفالها على الطريقة "التقليدية" وهي استعمال سكين وخيط رقيق وماء وتراب، يوضع في إناء كبير ( قصعة أوكيروانة من النحاس ) وهي تقاليد ورثتها العائلات الجزائرية عن الأجداد، ويؤكدون بأنها أحسن بكثير من التوجه إلى الأطباء والمختصين. الطفل في هذه الفترة تكون طلباته مستجابة كلها مهما كان نوعها، وتحرص الأم على توفير الجو الملائم لطفلها، خاصة إذا الختان الأول في العائلة، وتشدد على بناتها بأن لا يزعجنه ولا يعرضنه للقلق حتى يبقى هادئا، لأنه عادة ما يكون الطفل في حالة توتر وهو يتساءل ماذا سيفعلون بعضوه التناسلي، وأن ذلك سيحدث له ألما ونزيفا دمويا، من خلال من سبقوه إلى الختان، وربما هي ألأسباب التي تجعل الأسرة تسهر على إحاطة طفلها بهالة من التمجيد وهو يرتدي قميصا من الحرير. وفي يوم الختان يأتي أهل العريس بالخاتن التقليدي أو"الطهّار" إلى البيت في سيارة مستقلة، وعادة ما يكون هذا الأخير كبيرا في السن، وتحضر كمية من التراب في إناء كبير ( قصعة) لينطلق الحفل على صوت ( القصبة، العيساوة أو الفقيرات )، والعيساوة والفقيرات في مدينة قسنطينة يكون حضورها قويا في حفلات الختان، وهي عبارة عن مجموعة صوتية نسوية لا تستخدم من الآلات الموسيقية سوى الآلات النقرية ( البندير والطار) وغناؤهن موجه خاصة للنساء، غير أن هذه الفرقة بدأت تتراجع في السنوات الأخيرة وتكاد تؤول إلى الزوال، بحيث لم يبق منها سوى فرقتين أغلب نسائها مسنات، ومن أشهر المحافظين على هذا الطابع في قسنطينة دار بن فرطاس أما النسوة أو كما يسمين ب: ( الحَنَّايَاتْ ) فهن لا تلبثن في ترديد بعض الأغاني أو الابتهالات وهي معروفة في كل مناطق الجزائر بعدما ينقسمن إلى مجموعتين مثل قولهن: ( طهر يالمعلم وصحّ ليديك، لا تجرح وليدي ولا نغضب عليك . طهر يالمعلم يا بوشاشية طهرلي وليدي لعزيز عليّ . إلى آخر الابتهال الذي ترافقها بالصلاة على النبي ( ص) بترديد ( صلاة على النبي محمد يا علي . صلاة الصالية والنجوم العالية .( لأن الحنة عادة ما تكون في الليل). في حياتك يالعريس وفي حياة رجالنا . حبابك يا لعريس واش كانوا يعملوا . في الحنة يربطو والملائكة فارحين..الخ). وتعيش الأسرة وأهل العريس جوًّا روحانيًّا، تغمره الفرحة والسعادة، خاصة بالنسبة للأطفال الذين عادة ما يجلسون أمام العريس وهم يتأملون هذه الطقوس، وثم يطلق البارود إعلانا عن انتهاء عملية الختان، وتبدأ النسوة في الرشق من جديد، في هذه اللحظة يقدم للطفل المختون الحليب ليشربه كمادة غذائية صحية وباعتباره رمزا للنقاء والصفاء، وتناوله يجعل حياته كلها سعادة وفرح، وفي الغد تقوم العجائز والنسوة بدفن " الجلدة" في المكان الذي أخد منه كمية التراب، حيث يستيقظن باكرا ويذهبن في موكب نسائي يرددن مجموعة من الابتهالات، كما أنه عادة ما يبقى الطفل المختن مدة أسبوع في البيت لا يخرج إلى الشارع حتى يمتثل إلى الشفاء. في حين تلجأ بعض العائلات إلى أخذ ابنها إلى الطهار وسط موكب سيارات، ويسمى عندنا ب" الكورتاج" باللاتينية ترافقه مجموعة من النسوة والأطفال وفي مقدمتهم الأم والجدة، والفرقة الموسيقية التي تختارها الأسرة ( الزرنة، وآخرين يحضرون الفقيرات أوالعيساوة بالنسبة لسكان عاصمة الشرق التي عادة ما تفضل العائلات الغنية الميسورة الحال بالدرجة الأولى إقامة الحفل في قاعة الحفلات، ولوأن هذه الأخير مكلفة جدا، حيث يصل إيجار قاعة الحفلات في الليلة الواحدة إلى ما بين 70 ألف دينار إلى 100 ألف دينار، حيث يتكفل صاحب القاعة بتسيير شؤون العرس، وهذه الطريقة لا تقتص ف الختان فحسب عند العائلة القسنطينية بل حتى في مراسيم الزواج. عائلات ترفض الختان الجماعي حتى لا تتكرر حادثة 2005 ويوم الختان هو من أسعد الأيام التي تعيشها الأسرة، لكنه قد ينقلب إلى حدث تعيس إذا لم تمر عملية الختان في ظروف ملائمة، وإذا لم تحترم العملية الشروط الصحية والوقائية التي تسبق هذه العملية، الأمر الذي جعل الكثيرين التخلي عن الطريقة التقليدية في ختان أبنائها، والاعتماد على طبيب جراح مختص، لأن مقص الطهار العادي يختلف عن المقص الكهربائي، إذ لم تعد العملية مجرد عملية طهارة فحسب، بل عملية التخدير والتدخل الجراحي، حتى لا تحدث أخطاء طبية غالبا ما يكون الطفل الضحية الأولى، مثلما حدث في قضية الختان الجماعي التي وقعت بمدينة الخروبقسنطينة سنة 2005 والتي تم فيها بتر العضوين التناسليين للطفلين بلعيد ياسين وزويش حسين بترا كليا، وفقد فيها رجولتهما إلى الأبد، هذه الحادثة جعلت بعض العائلات ترفض الختان الجماعي لحدوث الأخطاء الطبية، حتى لوتطلب الأمر ختان طفلها في صمت أوكما يقال "بالساكتة). باحثون يؤكدون على ضرورة ختان الذكور العديد من الدراسات الحديثة أثبتت أن عمليات الختان تقي الطفل من داء المناعة المكتسبة، بحيث أن فيروس السيدا يتمركز بالخصوص داخل الجزء الذكري الذي يستأصل أثناء عملية الختان، وإبقاء الجلدة الزائدة قد تؤدي بالعضو الذكري للطفل إلى التعفن، وهذا التعفن قد تشكل له أمراضا عديدة منها المسالك البولية، الكلى والسرطان، كما يؤكد الأطباء على أن السن المناسب لإجراء عملية الختان، يجب ألا يقل عن الستة أشهر، وأنه يمكن في حالات استثنائية أن يخضع الطفل لهذه العملية قبل هذه السن، خصوصا إذا كان الطفل أو الوليد يعاني من صعوبة التبول، لأن ثقب الجلدة يكون ضيقا في بعض الأحيان، وبالتالي لا يستطيع الطفل التبول بشكل طبيعي، وحالات أخرى يخضع فيها الوليد لعملية ختان مبكرة بعد الولادة مباشرة لكي يتمكن من التبول. وأشارت دراسة نشرت في روما في اليوم الأخير من المؤتمر العلمي الدولي حول مرض الايدز إلى أن ختان الذكور يساهم في خفض خطر الإصابة بالفيروس بنسبة 76% لدى الرجال، كما أجرت الوكالة الفرنسية لأبحاث الايدز برئاسة بيرتران أوفار من المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، دراسة حول عدد المصابين بالإيذر فوجدت أن نسيه 40% من الرجال غير المختونين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و39 عاما مصابون بفيروس الايدز، حيث شنت حملة توعية مكثفة أطلقها الباحثون، أين تقدم أكثر من 20 ألف رجل للخضوع لعملية الختان في المراكز التي أقيمت خصيصا من أجل هذه الدراسة التي هدفت إلى التأكيد على انخفاض خطر الإصابة .