المتمعن لما يحدث في المحاكم هذه الأيام، لا يخرج سوى بنتيجة مفادها البحث عن طريقة لسرقة مليار "والهربة إلى الدار"، خاصة مع الأحكام التي لا تصنف سوى في خانة التشجيع على سرقة الجمل بما حمل، ولا نريد أن يفهم منا أننا ضد أحكام العدالة التي تصدر باسم الشعب، ولكن أيضا علينا أن نفهم أن الأموال التي تنهب هي أموال الشعب التي تحكم المحاكم باسمه، والقضية ليست قضية عدالة وحدها بقدر ما هي قضية يشترك فيها الجميع، لأننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها الخوف من العقاب هو المشكلة، وإنما هو كيفية الوصول إلى "الشكارة" داخل البنك، فالقضية ليست سوى بعض السنون في السجن، ثم العودة إلى البيت للاستثمار في الغنيمة وتوزيع بعضها على الأحباب كعربون وفاء. لقد تحول سرقة المال العام ونهبه في السنوات الأخيرة، إلى ظاهرة يحق الوقوف أمامها مطولا، فالقوانين وحدها لا تكفي ولم تعد تردع، في ظل غياب صرامة حقيقية، فقد صار الكل يحلم بسرقة مليار والعودة بعد سنوات إلى الدار، لم يعد مهما مصدر المال إن كان حراما أو حلالا، فكل الطرق تؤدي إلى "الشكارة"، فالسارق حين كنا مجتمعا نعرف حرمة المال العام، كان يقف ذليلا حتى لو سرق أموال قارون من شدة احتقار الناس له. أما اليوم، فصار ذا شأن والكل يشير إليه ويقول عنه "سي فلان"، لذا فلا غرابة أن يحلم الجميع بسرقة مليار والهربة إلى الدار.