"أخطوني راني مرمضن"، ربما هي العبارة التي يمكن أن نقول إنها مهذبة مقارنة مع ما يتلفظ به البشر في هذا الشهر الفضيل، فالوجوه عابسة إلى حد تجعلنا نعتقد أن الصيام ليس في نظر البعض سوى عقابا جماعيا، فلم نعد نصوم كما شرع لنا ديننا، وإنما نمارس إضرابا عن الطعام لأننا نفعل كل شيء في هذا الشهر، فقط نمسك عن تناول الأكل. إما إدارتنا، فتلك حكاية أخرى، فمن نوم إحدى عشر شهرا، إلى نوم شهر رمضان، لتتم بذلك العدة كاملة "بالتمام والكمال"، لنصبح شعبا فريدا من نوعه حتى في طريقة صيامنا التي صارت تسيرها أهواؤنا وأنفسنا الأمّارة بالسوء. وإطلالة بسيطة على شوارعنا وأسواقنا، لنجد بشرا غير البشر وأعصابا أعلى من درجات ضغط الأسلاك الكهربائية، وتستل السيوف والخناجر "لنُورِدُ الراياتِ بيضاً ونُصْدِرهُن حمراً قد رُويْنا"، على رأي الشاعر الجاهلي عمر ابن كلثوم، ولست أعرف لماذا يريد الناس أن يجعلوا من هذا الشهر الذي فيه خير عظيم، مجرد إضراب لمدة شهر عن الطعام؟ والعجيب أنه حتى مسؤولينا المحترمين الذين من المفروض أن يضربوا مثلا للمواطنين في العمل والتفاني فيه، اعتكفوا في سباتهم ضاربين عرض الحائط كل الأساس الذي جاء لأجله رمضان والأعراف الأخلاقية التي تجعلهم في عيون الناس محترمين، وصار كل واحد تتكلم معه يقول لك: "أخطيني راني مرمضن". هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته