كل المؤشرات تؤكد أن الأوضاع الداخلية في المغرب باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار، وأن دائرة الإحتجاجات التي انطلقت من الحسيمة وعمت الريف المغربي، اتسعت وأخذت منحنيات خطيرة، بعد وصولها إلى العاصمة المغربية الرباط. يبدو أن المخزن المغربي قد فقد توازنه وعوض البحث عن أرضية للتفاهم مع المحتجين، انتهج سياسة العصا الغليظة، واعتقل زعيم الحراك الشعبي الذي يشهده الريف منذ أكثر من ستة أشهر ناصر زفزافي، كما اعتقل أحد صحفيي جريدة الوطن الجزائرية، بمدينة الناظور، هذه المدينة التي لا تزال تحتفظ بذكريات مأساوية ودموية، تعود إلى شهر جوان 1981 حيث قدّم أهل الناظور عشرات الشهداء والجرحى، في أحداث مسيرة "الخبز" التي قمعها الملك الراحل الحسن الثاني بوحشية كبيرة، ووصف المشاركين في الإحتجاجات ب"الأوباش"، وهو ما ردّ عليه المتظاهرون مساء الأحد بالناظور، عندما حملوا شعار "عاش الشعب عاش عاش.. مغاربة ماشي أوباش"، فكأننا بالزمن يعيد نفسه في هذه المنطقة التي أصابت المخزن المغربي بالصداع، وكأننا بأهل الناظور الذين انضموا لاحتجاجات مدينة الحسيمة، يريدون تصفية الحساب مع المخزن، فقد نكلت بهم آلة القمع المغربية لعقود من الزمن، وفرضت سياسة التعتيم على ما طالهم من قمع وتقتيل وتنكيل، وهم اليوم على يقين أنه بفضل مواقع التواصل الإجتماعي لا يمكن أبدا تكميم الأفواه. للإشارة اجتمع عشرات من النشطاء، مساء أمس الأحد، بالساحة المقابلة لمقر البرلمان بالرباط، للاحتجاج بشأن الاعتقالات التي طالت عشرات من نشطاء حراك الريف، عقب المواجهات التي شهدتها مدينة الحسيمة الجمعة الماضية بين المحتجين وبين رجال الأمن، مطالبين بإرجاع الأمور إلى نصابها بإطلاق جميع المعتقلين بالحراك وإسقاط التهم عنهم. الوقفة، التي دعا إليها نشطاء يساريون وبعض الإسلاميين بمواقع التواصل الاجتماعي، رفعت خلالها أعلام تمازيغ وحركة 20 فبراير. وخلافا للمرات السابقة، شهد محيط البرلمان تعزيزات أمنية كثيفة، بحيث رابط العديد من عناصر الأمن بالقرب من المحتجين، بحيث شكلوا سلسلة بشرية لمنع النشطاء من تحويل الوقفة ذاتها إلى مسيرة في اتجاه شارع الحسن الثاني مرورا عبر شارع محمد الخامس. ورفعت خلال الوقفة شعارات من قبيل "قتلوهوم عدموهوم.. ولاد الشعب يخلفوهوم" و"الشعب يريد سراح المعتقل" و"عاش الشعب عاش عاش.. مغاربة ماشي أوباش" و"المعتقل رتاح رتاح.. سنواصل الكفاح" و"الموت ولا المذلة". كما رفعت بعض شعارات حركة 20 فبراير، على غرار "حرية كرامة عدالة اجتماعية". وعلى هامش الوقفة، اعتبر أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن "الوضع الحقوقي بالريف يعرف تطورات خطيرة منذ يوم الجمعة، التي شهد نعت خطيب أحد المساجد للحراك بالفتنة؛ وهو ما عرف معارضة من قبل النشطاء الحاضرين"، مضيفا بالقول: "الدولة أخذت هذا الحادث كذريعة لاستصدار أمر باعتقال عدد من النشطاء". ودعا الهايج، في تصريح خص به هسبريس، الدولة إلى "التخلي عن المقاربة الأمنية في صورتها القمعية، وأن تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أحداث الجمعة، إلى جانب فتح حوار مع كل الفاعلين في هذا الملف لإيجاد حلول معقولة، خاصة أن الحكومة اعترفت بمشروعية مطالب الساكنة". وقال الحقوقي ذاته إن "سلسلة الاعتقالات في صفوف نشطاء الريف شهدت تجاوزات من قبيل عدم إخبار العائلات بمكان وجود أبنائها"، مضيفا أن "بلاع الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بدوره لم يحترم قرينة البراءة" وعن تهمة تلقي أموال من الخارج، أبرز الهايج أن "ساكنة الريف تتوفر على جالية مهمة بالمهجر، ومن الطبيعي أن تدعمها بأموال وما يمكن أن يساندوا به أنفسهم"، قبل أن يضيف أن تكييف الاعتقالات مع تهم من هذا القبيل "يصب الزيت على نار الاحتجاجات". من جهته، يرى حكيم صيكوك، أحد أبرز نشطاء 20 فبراير، أن مطالب ساكنة الريف "عادلة ومشروعة باعتبارها اقتصادية واجتماعية"، مشيرا إلى أن "المخزن كان مطالبا بتلبية هذه المطالب والإجابة عن أسبابها؛ غير أننا تفاجأنا بحملة أمنية من الاعتقالات والاختطافات لا لشيء سوى الخروج بشكل سلمي والتعبير عن مطالب مشروعة". وسجل المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية المغربية، أن تصحيح مسار الحراك يقتضي إطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية هذه الأحداث، ورفع العسكرة عن المنطقة والمقاربة الأمنية، ثم تلبية جميع مطالب الساكنة