قابلتنا صدفة بالعيادة متعددة الخدمات بجديوية، غليزان، بابتسامة تنم عن حزن عميق، ابتسامة تحمل وراءها مأساة عائلة فقيرة. بكل بساطة إنها عائلة "قوبة عابد"، الساكنة بحي 50 مسكن بجديوية، مأساة حقيقية تعيشها هذه العائلة، فالأب عابد، الذي يعمل حارسا في إطار الشبكة الاجتماعية بأجر 3 آلاف دينار شهريا، لم يعد يحلم بحياة طبيعية كسائر الناس. مأساة عابد بدأت مع الميلاد غير العادي البنت "ريم" التي تبلغ الآن 10 سنوات، فقد رافق ولادتها ورم خبيث عكر صفو حياتها. الوالد المسكين ارتأى أن يجري لها عملية جراحية وليته لم يفعل، لأن ما أصابها بعد العملية غيّر مجرى حياتها، فالعملية الجراحية التي أجريت لها بالمستشفى الجامعي لم تنجح، كما تسبب لها الطبيب المعالج، حسب رواية والد البنت، في قطع الأنبوب المتحكم في البول، لتغادر المستشفى مصابة بمرض ثان بدل علاج مرضها الأساسي والوحيد، حيث أصبحت هذه البنت المسكينة لا تتحكم في رجلها ولا تحس بها تماما، مما جعلها تتورم وتتطور الأحداث، خاصة وأن الوالد لم يعد يقوى على حمل هذه الفتاة وكأن مرض الظهر الأصلي ومرض التبول اللاإرادي لم يكفياها لتزداد معاناة ريم وهي في سن الزهور، فابنة العشر سنوات أصبحت لا تفكر إلا فيما تحمله من مرض، ونتيجة لهذه الإعاقة حدث لها جرح على مستوى رجلها ليتطور ويحدث مضاعفات استدعت إجراء عملية جراحية ثانية. ورغم مسلسل هذه المتاعب الصحية، لم تيأس "ريم" وواصلت مزاولة دراستها متحدية القدر الذي كتب عليها، لتطل عليها سنة 2006 وبالضبط في أوت ويعاود الورم الظهور من جديد لكن هذه المرة في أنحاء متفرقة من رجلها، وتتواصل معاناتها مع المرض، ثم تأتي سنة 2007 وتزداد حالتها الصحية تدهورا، ومع مضاعفات المرض تم إرسالها إلى جناح جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي بوهران لتمكث هناك مدة من الزمن، حيث عانت خلالها الأمرين، وفي 2 جانفي 2008 تم إجراء عملية جراحية أخرى لها لكن ... إنها مأساة لا توصف. والآن تقضي "ريم" حياتها بين البيت والمركز الصحي ذهابا وإيابا لتغيير الضمادات نتيجة الإفرازات الناجمة عن الجروح. الطبيب المعالج من جهته وصف لها دواء من الضروري استعمال علبتين منه شهريا، ويقدر ثمن العلبة الواحدة 1500 دينار، أي ما معناه ثمن ما يتقاضاه الوالد شهريا بالضبط دون أن ننسى الحفاظات التي يجب أن تستعملها يوميا نتيجة التبول اللاإرادي وأدوية أخرى على شكل حقن وزيارات متكررة للمستشفى الجامعي بوهران. كل هذا والوالد المسكين لا يملك ما يعيل به العائلة ككل. إنها مأساة.. لكن الفتاة المسكينة لم تيأس، فهي التي استقبلت جريدة "النهار" بالمنزل العائلي، وهي التي أصرت على أن تحكي قصة حياتها بنفسها، لأنها تعلم أن ما حدث ويحدث لها من مشيئة الله عز وجل، فهي تنتظر الفرج منه، إذ ورغم كل المعاناة إلا أن ذلك لم يثن من عزيمتها فهي تواصل دراستها وكلها أمل في النجاح، وترجو من المحسنين أن يساعدوها على النهوض من مقعد أنهكها، ومرض دمر حياتها وهي في عمر الزهور.