ربط مختصان اجتماعيان، الخميس، تفاقم ظاهرة الطلّاق وتراجع الزواج في الجزائر، باتساع قضايا "الخلع" والحضور المكثّف للتكنولوجيات الحديثة، وسط تطورات "خاصة" تتنافى عادة مع طموح "فريق من النساء" في تكوين عائلات والحفاظ على اللحمة الأسرية. في مقاربة ل "فزّاعة" 62 ألف حالة طلاق في الجزائر سنة 2016، حذّرت الخبيرة الاجتماعية "أمينة حريش" ل "النهار أونلاين"، من تأثيرات سلبية على البنية الاجتماعية الوطنية جرّاء تنامي ظاهرة الطّلاق، بالتزامن مع الإرتفاع الرهيب في العنوسة لدى المرأة، وعزوبية الرجال، ما ينذر باختلالات على الإنسجام الأسري، خصوصا وأنّ الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع. وقالت "حريش": "الطلاق وُجد كحلّ آخر لاستحالة عيش الأزواج المعنيين مع بعضهم لأسباب موضوعية، منبّهة أنّ السنوات الأخيرة شهدت اتساع رقعة الطلاق بمختلف أشكاله خاصّة الخلع الذي أصبحت المرأة تستعمله كوسيلة ل "اهانة واذلال الرجل". قضايا غير مؤسسّة أحالت "حريش" إلى أنّ غالبية قضايا الخلع تفتقد إلى أسباب مؤسّسة، مشدّدة على مناشدة مسؤولي قطاع العدالة لتحيين قانون الأسرة خاصّة في شقه المتعلّق بالخلع، وأكّدت أنّ أغلب حالات الطلاق في الجزائر هي حالات الخلع. ومن أسباب الطلاق أيضا، قالت الأخصائية، أنّ المرأة أساءت "استغلال حريتها"، مشيرة إلى أنّ هناك نسوة تعتبرن الحرية وتحقيق المهنية أمر لا يتماشى مع تكوين أسرة والمحافظة عليها. ووصلت العديد من النسوة إلى حدّ خلع أزواجهنّ لتحقيق أرباح مادية، أو لرفضهنّ الوضعيات المادية البسيطة لأزواجهنّ، مضيفة أنّ المرأة تتأثر أحيانا بالتكنولوجيات المستخدمة في شبكات التواصل الإجتماعي أو ما تبثّه مختلف القنوات التلفزية من أفلام رومانسية تجعلها تعيش في عالم التهويمات، وبالتالي ترى المعنية حياتها الزوجية "فاشلة". تداعيات استبدال "العائلة الممتدة" ب "النووية الحديثة" أقحمت محدثتنا عامل الإختيار الإعتباطي لطرفي الزواج، وغياب التوجيه الأسري خاصة مع "الأسرة النووية الحديثة" كما يسميها أخصائيي علم الإجتماع، والتي جاءت بديلة عن "العائلة الممتدة"، هذه الأخيرة كانت تساهم بشكل كبير في المحافظة على الأسر من خلال النصح والتأنيب. واعتبرت ضيفة "النهار أونلاين" أسباب تفشي الطلاق بعدم التوافق الفكري، والاختلاف في المستوى التعليمي، والتباين الكبير في السن بين الأزواج، وعدم التوافق العاطفي، في صورة إجبار الفتيات على الارتباط من أشخاص لا يمنحون الراحة عاطفيا ونفسيا والعكس، في منظومة عائلية لا تزال تشكو غياب التكوين والتأهيل. إعدام القواعد الأسرية من جهته، قال "عادل بلقسّام" أستاذ علم الإجتماع بجامعة المدية ل "النهار أونلاين"، إنّ السبب الرئيسي لتنامي ظاهرة الطلاق، هي "المعلوماتية" التي اعتبرها أداة اعدام وتحطيم للقواعد الأسرية. وركّز "بلقسّام" على هشاشة التنشئة الإجتماعية للزوجين وفقدان الثقة بينهما، والخروج المتكرّر للمرأة إلى العمل والدراسة ومراودتها الإدارات العمومية، وما يتصّل بمحذور "زنا المحارم"، إضافة إلى النمط العمراني في الجزائر، ونسق الأقفاص المغلقة التي تتنامى في الجزائر عبر البنايات والعمارات المتلاصقة. تداعيات خطيرة اعتبرت "حريش" تفكّك الأسرة مؤشّرا خطيرا على انهيار المجتمع الذي هو أساس الدولة الجزائرية، معقبة: "بتفكك الروابط الأسرية، ننشئ جيلا غير سليم وغير فعّال في المجتمع، إذ أنّ غالبية الأطفال ضحايا الطلاق، يعيشون ظروفا نفسية صعبة تؤثّر في تكوين شخصياتهم، وبالتالي يكون لديهم الإستعداد لإرتكاب الجرائم، ويكونون عرضة لآفات اجتماعية، والإحصائيات حول معدّل الجريمة خير دليل على ذلك". الحلول وكحلول لظاهرة الطلاق، قالت "حريش"، أنّه يجب اخضاع المقبلين على الزواج لتكوين نفسي واجتماعي، وتأهيلهم على تحمّل المسؤوليات الزوجية، وتفعيل دور العائلات وادراج موضوع الأسرة في البرامج التعليمية، والارتفاع بأدوار الإعلام بمختلف أشكاله لتناول المواضيع المتعلقة بالأسرة من حيث التشخيص وإيجاد الحلول. وانتهت "حريش" إلى تجديد دعوتها بحتمية تحيين قانون الأسرة وضبطه، وتفعيل دور الأئمة في المساجد، والإستغلال العقلاني للتكنواوجيات الحديثة بما يتماشى مع قيم المجتمع الجزائري.