تعيش الجالية الجزائرية بمصر بحماس وترقب أجواء التحضيرات الجماهيرية للقاء الكروي الحاسم بين منتخبي مصر والجزائر برسم الجولة السادسة والأخيرة لتصفيات كأسي العالم وإفريقيا 2010، الذي أضحى حديث الشارع المصري دون منازع. وقد بادرت الجالية الجزائرية المقيمة بمصر رغم قلة عددها (حوالي 3000 شخص 60 في المائة منهم طلبة)، إلى التحرك والتواصل بين أعضائها من أجل خلق أجواء حماسية لتشجيع ومناصرة المنتخب الوطني. وبدأت بوادر هذه التحضيرات تتجلى بوضوح عقب لقاء الجزائر مع زامبيا، وأيضا زيادة حماس الجمهور المصري وتفاعله مع الحدث. وسمح هذا الجو الحميمي المتميز التقريب بين أعضاء الجالية سيما الشباب من طلبة وأبناء المقيمين، وتتبين مظاهر التحضيرات أكثر مع الاقتراب من أماكن إقامة الطلبة الجزائريين، حيث تستوقف المارة نغمات بعض الأغاني الرياضية الجزائرية التي أحضرت أشرطة منها لتحفيز المشجعين أكثر. وعلى إيقاع "معاك يا الخضراء" وغيرها من الأغاني يستقبلك كريم ومحمد وعبد الحميد، طلبة بمعهد البحوث، في شقتهم المتواضعة بحدائق المعادي (حي شعبي يقطنه الكثير من الطلبة الأجانب)، ويحدثونك بكل اعتزاز عن جو التحضيرات وقالوا "لن ننتظر اقتراب موعد اللقاء في 14 نوفمبر القادم لتهيئة أنفسنا لتشجيع ومؤازرة الفريق الوطني" . فبعد عودة معظم الطلبة عقب العطلة الصيفية بدأنا - يقول عبد الحميد طالب بجامعة القاهرة- في التنسيق والعمل على إعداد اللافتات والقبعات ذات الألوان الوطنية، الى جانب الأعلام الوطنية التي جلبها الطلبة من الجزائر. كما تطوعت سيدة جزائرية مقيمة في القاهرة منذ سنوات بتوفير أعداد أخرى بمساعدة بعض صديقاتها. سيدة تتطوع لإنجاز الأعلام الوطنية وتوزيعها على الأنصار و قد أكدت السيدة فتيحة، التي كانت متواجد بالمكان "أنا في سباق ضد الساعة لإنجاز أكبر عدد ممكن من الإعلام"، مؤكدة بالمناسبة انها ستذهب بنفسها لملاقاة الأنصار الجزائريين ومنحهم الأعلام التي أنجزتها بنفسها، ولم تخف سعادتها بهذه المساهمة التي تبقى، كما قالت، من المناسبات القليلة التي تعيشها كجزائرية في الغربة. ويبرز هذا الكلام النابع من الأعماق، عن مساهمة المرأة الجزائرية بمصر وإصرارها على المشاركة في خلق الأجواء الحماسية تشجيعا لمنتخب بلدها، حيث لم ينقطع هاتف المكلفة بشؤون الجالية الجزائرية، السيدة دليلة، عن الرنين واستقبال مكالمات السيدات للاستفسار عن كيفية اقتناء التذاكر المخصصة للجزائريين. ولم تستغرب السيدة دليلة الأمر، لأن العنصر النسوى كان متواجدا في كل المناسبات التي تتعلق بوطنها الأصلي، ويتجلى ذلك أكثر في الأعياد الوطنية واللقاءات الرياضية والتظاهرات الفنية، كما قالت مضيفة، واليوم يتواصل هذا الإصرار ويؤكدن عزمهن على الذهاب إلى الملعب لتشجيع "الخضر". مع العلم أن الجالية الجزائرية المقيمة بشكل دائم في مصر تتشكل من حوالي 90 في المائة من النساء. مع العد التنازلي لموعد المقابلة يزداد الحديث عنها، ويصبح الموضوع الطاغي في كل المناقشات واللقاءات بين أعضاء الجالية سواء في الجامعة أو المقهى أو في البيت. ويتساءل وحيد، وهو طالب في السنة الثانية اقتصاد بجامعة القاهرة، "كيف لا ونحن نعيش هذا الجو يوميا فبمجرد ان يعرف أنك جزائري يلتف حولك الناس سواء كان ذلك في الحافلة او في المقهى، ليحدثوك عن المقابلة مرددين دوما كلمة "حنكسبكم". "إني لم أكن يوما ما من هواة أو متتبعي كرة القدم" يقول أحمد زميله في الدراسة، لكن هذا الضغط اليومي يبعث فيك الروح الوطنية وتصبح تحدثهم عن الكرة رغم معرفك القليلة بها". وتبقى مسألة التذاكر إحدى المشاكل بالنسبة لأعضاء الجالية الجزائرية، حيث أكد جمال العامل باحدى الصحف المصرية الصادرة باللغة الفرنسية، أن التذاكر المخصصة للجزائريين تذهب كلها إلى الجزائر، وتبقى نسبة قليلة منها لدى مصالح السفارة، وهي كمية لا تكفي لكل الراغبين في دخول الملعب والجلوس في المربع المخصص للجزائريين بالنظر إلى لون التذكرة. "نستحق التأهل للمونديال لأننا الأحق بذلك" وقال سليم، جزائري مولود بفرنسا، ويشتغل في مصر منذ 5 سنوات كخبير لإحدى الشركات الفرنسية بالإسكندرية، "إني أنتظر المقابلة بفارغ الصبر لتشجيع المنتخب الوطني بكل ما في وسعي، فهي المرة الأولى التي تتاح لي فرصة مؤازرة منتخب بلادي.. إنه فريق شاب وجيد يستحق التأهل لكاس العالم" مضيفا "لقد عزمت الذهاب إلى الملعب رفقة زوجتي الفرنسية الجنسية، وأجري حاليا اتصالات مع معارفي في القاهرة للحصول على التذاكر". "إلا أن الجو الذي يحيط بالمقابلة يخيفني خاصة مع الحملة الإعلامية لبعض الاقلام "المتعصبة"، مما يجعلني أتراجع عن فكرة مرافقة زوجتي لي رغم إصرارها على الذهاب معي". "لا نخشى جماهير مصر لأن التوتر موجود في الإعلام فقط" ولا يشاطر علي، من ڤالمة، والطالب في جامعة الأزهر، رأي سليم، موضحا أنه لا يخشى شيئا من الجمهور المصري، "خلال مكوثي بالقاهرة لأكثر من سنتين عرفت سلوك المصريين، حيث أن القلة القليلة منهم فقط تتأثر بالصحافة المحلية. فالتوتر موجود فقط في الإعلام". ويسترسل في تحليله "أكيد أن الجمهور المصري شغوف بكرة القدم ومتعصب لمنتخبه، إلا أني لا أظن أنه سيتجاوز حدود الروح الرياضية"، يؤكد نفس الطالب. وكالعادة في مثل هذه التظاهرات أوغيرها يقوم الجزائريون في مصر بالاتصالات والتنسيق فيما بينهم، سواء للذهاب إلى الملعب لمشاهدة المباراة وتشجيع الأندية الجزائرية أو الاكتفاء بالذهاب الى منزل أحدهم لمشاهدة المباراة في التلفزيون بصفة جماعية والتعبير عن مشاعرهم. وغالبا ما يتم الاتصال بالسفارة الجزائرية التي تؤجر حافلات خاصة، حتى يتم تأطير الأنصار الجزائريين وتخصيص مربع لهم في الملعب، لتجنب الاحتكاك المباشر الذي قد يؤدي إلى مشاحنات... ويتجلى هذا الحماس أكثر في هبة الجميع وإصرارهم على الإسهام في بعث الثقة وترسيخ الإرادة لدى المنتخب الوطني، لتخطي هذه المرحلة، والصعود إلى نهائيات كاس العالم. رجل أعمال في سباق مع الزمن لتأجير حافلات لأنصار "الخضر" ويقول عمر، وهو أحد رجال الأعمال المقيمين بمصر، أنه في اتصالات مع أصدقاء جزائريين لتأجير حافلات خاصة للجزائريين بمصر حتى يجنبهم متاعب النقل، وهذه مناسبة للتعبير عن مدى تشبت الجزائري بوطنه ومنتخبه. وإن كان الموضوع واضحا بالنسبة للجزائريين المقيمين في مصر، فإن الإحراج يقع على ذوي الجنسيتين المزدوجة، المصرية الجزائرية. "حقيقة أنني كنت أشجع المنتخب المصري وفي نفس الوقت المنتخب الجزائري، إلا أن هذه المرة أشعر بالحرج، خاصة وأنهما سيلعبان ضد بعضهما البعض والمتأهل واحد"، يقول عماد من أم جزائرية، الذي أضاف، " فأصدقائي سواء في الجزائر التي أزورها كل صيف أو في مصر يحاولون استفزازي واعتباري من الفريق الخصم. ولكن أحاديثنا دائما لا تخرج عن المزاح والمشاكسة لتنتهي بالضحك والدعابة".