مباشرة بعد وصول بعثة "النهار" إلى أنغولا، وإنهائها لكل التدابير الخاصة بمراقبة الشرطة لجوازات السفر، خرجنا إلى القاعة الرئيسية لمطار لواندا، منتظرين وصول المنتخب الوطني الجزائري الذي قيل لنا أنه انطلق من مطار نيامي عاصمة النيجر على الساعة الخامسة وخمس دقائق، مما يعني أن وصوله إلى أنغولا سيكون في حدود التاسعة ليلا، وحينها الساعة كانت تشير إلى السابعة، مما يوحي أننا سننتظر ساعتين من الزمن قبل وصول رفقاء زياني لمحاورتهم وأخذ صور خاصة للجريدة بوصول المنتخب الوطني إلى لواندا، إلا أن الحركة في المطار لم تكن عادية وأحسننا أنه هناك الجديد بوصول منتخب آخر رفض في بادئ الأمر الكشف عن هويته من طرف منظمي كأس إفريقيا. المنظمون في كل مكان وحركة غير عادية في المطار في باديء الأمر خُيل لنا أنها أمور عادية تحدث في المطار بحضور العديد من المنظمين لإسقبال المنتخب الجزائري، لكن حينها كان الخضر بعيدين كل البعد عن الوصول، مما جعلنا نفكر في أمر آخر وهو وصول منتخب من منتخبات القارة السمراء، سألنا المنظمين فرفضوا الكشف هن هوية المنتخب القادم، وحينها سمعنا أحد الصحفيين يتحدث باللغة الفرنسية فاقتربنا منه وسألناه من أين أتى، فقال أنه من مالي وهو بصدد انتظار وصول منتخب بلاده كي يجري الحوارات مع لاعبيه، وحينها فهمنا لماذا كل هؤلاء المنظمين والحراس في قاعة الانتظار، لأن مالي ونجومه بصدد الوصول إلى مطار لواندا. إجراءات أمنية مشددة وممنوع الإقتراب من "لاباف" بعد علمنا أن منتخب مالي بصدد الوصول إلى مطار لواندا، تساءلنا هل نحن محظوظين بتواجدنا في نفس التوقيت مع منتخب مالي ونجومه في نفس المكان، لكننا في نفس الوقت تفاجأنا بتدخل المنظمين ورفضهم رفضا قاطعا أن نقترب من "لاباف" وخيل لنا أننا سنرى كلا من سيسوكو، كانوتي، ديارا وكايتا يمرون أمام أعيننا من دون الحديث معهم أو محاورتهم، لأن الأمر يتعلق بنجوم كبار يلعبون في أعرق النوادي الأوروبية ورفقة أحسن اللاعبين في العالم وحتى إن تم إخراجهم من القاعة من دون السماح لأحد بالاقتراب منهم فهذا أمر مفهوم، وانتظرنا لمدة عشرين دقيقة حتى بدأ اللاعبون يصلون تباعا إلى قامة الانتظار. سيسوكو أول النجوم القادمين و"النهار" الأولى التي حاورته دخل العديد من اللاعبين الماليين الناشطين في البطولة الفرنسية وبعض البطولات الأخرى، وكأن بقاء النجوم حتى النهاية كان متعمدا، لكننا أصررنا على محاورة أحد النجوم الكبار، حتى شاهدنا لاعب جوفنتوس الإيطالي سيسوكو قادما رفقة رفاقه، في بادئ الأمر ترددنا في الحديث معه، إلا أنه قابلنا بابتسامة عريضة منحتنا الجرأة كي نطلب منه محاورته، "سيسوكو من فضلك هل يمكن تصريح للصحافة الجزائرية؟" فأجاب بكل تواضع "بالطبع هذا من واجبي لا يوجد أي مشكل اسأل ما شأت"، وحينها بدأ حوارنا معه الذي كان شيقا للغاية. لازال يتذكر مواجهة الجزائر وديا وهزيمة مالي ب3-2 مباشرة بعد إنهائنا الحوار لمّح سيسوكو أنه يعرف المنتخب الجزائري تمام المعرفة، وقال مازحا أن مالي لن تكون لقمة في أفواه رفقاء زياني، ولما سألناه كيف يعرف الجزائر، أجابنا أنه لعب أمامها منذ سنتين تقريبا في فرنسا، وهو اللقاء الودي الذي انتهى بفوز الخضر بثلاثة أهداف لهدفين، وقال أن الجزائر منذ ذلك الحين تطورت كثيرا، لكن الأمر يتعلق بمنتخب مالي وهم مجبرون على الوقوف الند للند أمام الجزائريين مهما كان الحال. مناصر جزائري "هبّلو" بقميص ميلان أثناء إجراء الحوار مع اللاعب سيسوكو خيل لنا أننا بصدد الحديث مع لاعب بسيط جدا رغم شهرته الكبيرة ولعبه في أعرق النوادي الأوروبية جوفنتوس، فتواضعه سمح حتى لأنصار المنتخب الوطني القادمين من الجزائر معنا في طائرة واحدة من ممازحة سيسوكو، حيث أقدم أحد الجزائريين على حمل قميص نادي ميلان الإيطالي، وقال لسيسوكو أنه يحبه كلاعب ويحترمه كثيرا، لكن في النهاية هو يشجع نادي ميلان ولا يحب جوفنتوس إطلاقا، وهي اللقطة التي أضحكت كثيرا نجم المنتخب المالي وأجابه "أنا أيضا لا أنصار جوفنتوس" بمزاح. كايتا يدخل القاعة ويحدث طوارئ ونحن نودع اللاعب سيسوكو على أمل التقائه مرة ثانية، حتى شاهدنا حشدا كبيرا من الإعلاميين الأنغوليين متوجهين إلى مكان معين، اقتربنا قليلا فعلمنا أن لاعب نادي برشلونة كايتا هو القادم الجديد، وشاهدناه يتوجه نحو الأمتعة للحصول عليها، ففي بادئ الأمر تعذر علينا الاقتراب منه بسبب الازدحام، لكن مباشرة بعد انسحاب الصحفيين الأنغوليين تمكنا من الحديث مع كايتا وسألناه إن كان مستعدا للحديث مع الصحف الجزائرية، فأجاب بكل عفوية أن ذلك أكيد، وهو في خدمة الجميع، بشرط أن لا نطيل عليه لأنه مرهق من السفر، وكانت إجاباته كلها في محلها نابعة من نجم كبير يحترم كل المنتخبات خاصة الجزائري. الجميع سأله عن الإصابة، فأجابهم من دون ملل ولا كلل والله غريب في بعض الأحيان أحوال بعض لاعبينا في البطولة الوطنية، أو حتى بعض لاعبي المنتخب الوطني الذين لم يضمنوا حتى مكانة لهم في فريق أوروبي متواضع، إلا أنه يرفض إجراء الحوارات وإن قبل فيرفض أن يطرح عليه سؤال واحد ثلاثة أو أربعة مرات، كايتا سألناه عن الإصابة فأجابنا أنه في حالة تحسن، فسئل للمرة الثانية والثالثة وحتى الرابعة نفس السؤال وأجاب من دون أي مشكل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الطيبة الكبيرة لهذا اللاعب، والتواضع الكبير الذي جعل منه نجما من نجوم الليغا الكبار. كانوتي يصل تحت إجراءات أمنية مشددة بعدما تمكنا من محاورة كل من نجم جوفنتوس سيسوكو، ونجم البارصا كايتا، قلنا في أنفسنا أننا محظوظين بشكل كبير بتزامن وصولنا مع منتخب كبير مثل مالي يعج بالنجوم، سيما أن الاقتراب من هؤلاء اللاعبين في الفندق مستحيل في مثل هذه المنافسات، وقلنا في أنفسنا أنه لن يسمح لنا بمواصلة الحديث مع نجومهم، سيما أن قدوم كانوتي كان تحت حراسة أمنية مشددة، وتوجه مباشرة إلى مكان استرجاع الأمتعة، ولحسن حظنا طال وصولها مما أجبر فريديريك على الانتظار لأكثر من عشرين دقيقة، في بادئ الأمر رفض الحديث وتحجج بالتعب، سيما أن العديد من الصحفيين كانوا في المكان نفسه مما جعله يتردد في إدلاء تصريحات. قرر الحديث وحاور الإعلام الأنغولي بالإسبانية إصرار الصحفيين عليه جعل كانوتي لا يرفض الحديث معهم، في بادئ الأمر فضل الكلام باللغة الإسبانية كي يفهمه الجميع في أنغولا، وصبت كل أسئلتهم حول المنتخب الأنغولي وما هو رأي كانوتي في منتخبهم، وأجابهم أنه منتخب معروف ومؤكد أنه سيقول كلمته بحكم استضافته للدورة، مؤكدا للجميع أن مالي ستلعب بكل قوة لتنتزع تأشيرة التأهل للدور الثاني في صدارة المجموعة، رغم أن المهمة صعبة جدا أمام منتخبات قوية مثل أنغولا مالاوي والجزائر. قبل محاورتنا ولما علم أننا جزائريين كلمنا بالفرنسية ومباشرة بعد انسحاب الأنغوليين اقتربنا منه وطلبنا منه الحديث بالفرنسية أو الإنجليزية لمحاورتنا، فأجابنا من دون أي مشكل وبتواضع كبير، لكنه طلب منا أن نسرع في محاورته لأنه متعب من السفرية التي كانت شاقة جدا، وبصراحة لم نتفاجأ لتواضع كانوتي بحكم معرفتنا المسبقة بأخلاقه الدينية العريقة، والتي سمحت له بأن يكون محبوبا لدى مسلمي العالم أجمعين، خاصة بعدما أقدم على شراء قطعة الأرض التي بني عليها مسجد بإسبانيا بآلاف الدولارات كي يبقى بيت الله ولا يهدم وتؤدي فيه الصلوات الخمس بإسبانيا. ديارا آخر النجوم الماليين الذين التحاقوا عندما تحاور نجوما كبارا أمثال كانوتي، كايتا وسيسوكو، لا تفكر بعدها إلا في محاورة رابع نجم في المنتخب المالي وهو مامادو ديارا، في بادئ الأمر لم نتمكن من العثور عليه بسبب الزحمة الكبيرة، وسألنا أحد الزملاء وأكد لنا أنه جالس مع المدرب، اقتربنا من نجم ريال مدريد وطلبنا محاورته لكنه رفض مبدئيا وقال أنه أدلى بتصريحاته، لكننا أصررنا عليه وأخبرناه أننا صحيفة جزائرية فتوقف عن السير وحاورنا بابتسامة عريضة، وأجاب عن كل الأسئلة من دون أي إحراج لمدة عشرين دقيقة كاملة منحها لنا للحديث معه، وهو الوقت الذي رفض أن يمنحه إيانا محترفونا بعد قدومهم. هبلوه بالبارصا والإبتسامة لم "تفارقه" اغتنم بعض الجزائريين فرصة تواجدهم بالمطار بالقرب من لاعب ريال مدريد مامادو ديارا، حتى أقدموا على إخراج علم البارصا كي يستفزوه، وقابلهم بابتسامة عريضة، مؤكدا لهم أن الريال سيفوز على برشلونة في لقاء العودة، لأن الحظ لم يكن بجانبهم في لقاء الذهاب، وهي اللقطات الرائعة التي شاهدناها من نجم كبير أقل ما يقال عنه أن تواضعه هو الذي رفعه عاليا في بطولة كبيرة مثل الليغا، وفي فريق عريق يعتبر الأحسن أوروبيا وحتى عالميا. نجوم كبار.. التواضع سمتهم والإبتسامة لا تفارقهم لا يختلف اثنان كانا حاضرين في مطار لواندا، أن نجوم منتخب مالي متواضعون لحد كبير، كيف لا وهم يلعبون في أكبر النوادي الأوروبية، جوفنتوس، أشبيلية، ريال مدريد، وبرشلونة، رؤية هؤلاء عبر الشاشة الصغيرة مع نواديهم يجعلك لا تتخيل أنهم بكل هذا الكم من التواضع، منذ وصولهم الابتسامة لم تختف من وجوههم، ولم يرفضوا إجراء أي حوار مع أي جريدة كانت، كما قبلوا أخذ صور تذكارية مع كل المحبين والمعجبين من دون أي إشكال، وحتى المدرب ستيفان كيشي لم يتدخل إطلاقا ولم يطالب لاعبيه بالابتعاد أو الامتناع عن الحديث أو أخذ الصور، ولم يأت أي عضو من الإتحادية المالية يطالبنا بتركهم وشأنهم، مثلما يحدث عندنا ولسوء الحظ رغم أننا لا نملك نجوما بهذا الحجم، لهذا علينا التعلم من هذا الدرس الذي قد يفيدنا كثيرا، لأنه مثال في التواضع الذي يرفع العباد إلى السماء. طارق ق