لا يدرك مدى قيمة نعمة الإسلام إلا من قرأ القرآن بتدبر في معانيه أشهر الرعية الفرنسي أندريو موريو، إسلامه قبيل خطبتي صلاة الجمعة الفارط، أمام جموع المصلين وبحضور الشيخ إمام المسجد محمد مكركب، الذي أشرف على تلقين الشهادتين للوافد الجديد إلى دين الإسلام، والذي استُقبِل بالتكبير والتهليل من قبل المصلين الذين راحوا يُقبِّلون آخاهم في الله أندريو إدريس بدل موريو كما كان من قبل. من جهتها "النهار" اغتنمت هذه الفرصة لتجسيد المفارقة العجيبة التي تشهدها بلادنا في بعض المناطق النائية، أين بدأت الكنيسة تتحرك لإغراء الشباب والأطفال باعتناق المسيحية، أين كان لنا حوار مع الرعية الفرنسي إدريس بمكتبه الكائن بشارع ديدوش مراد بالعاصمة، تحدث فيه عن قناعته في اتخاذ القرار الذي جاء بعد سنوات من قراءة علوم الشريعة الإسلامية، وكذا نظرته للمجتمع الجزائري من ناحية تمسكه بدينه، والشباب الذين ينسلخون عن هذا الدين العظيم إلى غيره من الديانات الأخرى الباطلة. بداية نهنئكم سيدي على هذا الإختيار الصائب، ومرحبا بكم في دين الإسلام. شكرا جزيلا. أشهرت إسلامك بصفة علنية يوم الجمعة الفارط بمسجد القدس في حيدرة، لكن منذ متى اتخذت هذا القرار بالتحديد، وما كان شعورك عند نطقك بالشهادتين؟ اتخذت قراري النهائي في ذلك اليوم الذي نطقت فيه بالشهادتين داخل المسجد وكنت غاية في التأثر، إلا أنه لا يمكن وصف الأمر بكلمات معينة، لأن ذلك الإحساس انتابني شخصيا، كان رائعا ويفوق الوصف ولا يعلمه إلا الله وأنا. ماذا كانت ديانتك قبل الإسلام؟ ولدت مسيحيا لكنني لم أكن من المواظبين على شعائر وطقوس تلك الديانة بمعنى أنني لم أكن ملتزما. بما أنك ولدت مسيحيا لا شك أن هناك حادثة معينة دفعتك لإعادة النظر في ديانتك هل يمكن إبرازها؟ في الحقيقة لا يمكنني تحديد المدة الزمنية التي بدأت فيها بالتفكير في الموضوع، كما لا يمكنني أن أقول إن شيئا معينا دفعني إلى الإسلام، بل هي رحلة بحث طويلة تخللتها أشياء بسيطة من الحياة اليومية للجزائريين، دفعتني لتقصي الحقيقة عن هذا الدين العظيم. هل كان للجزائريين دور في اعتناقك للإسلام بما أنك قضيت أغلب فترات حياتك هنا بالجزائر؟ صراحة لا يمكنني القول إنهم سبب ذلك، لأنه وللأسف كثير من الجزائريين والمسلمين عامة، يجهلون عظمة هذا الدين وقد توارثوا الإسلام عن آبائهم فحسب، فالإسلام يتطلب العلم والعمل، إذ أنه يتوجب على كل مسلم البحث في أعماق هذا الدين، تماما كما نطلب العلوم الأخرى ونهتم بها، وهو حال المسلمين في العصور السالفة عندما كان دستورهم القرآن وينطلقون منه لدراسة بقية العلوم الأخرى، ما مكنهم من السمو بمعاني التربية والحضارة. هل سبق لك وأن قرأت القرآن والإنجيل كاملين؟. أجل، فعلت ذلك لكن ليس بهدف إجراء المقارنة وإنما لمعرفة أيهما ترتاح له النفس أكثر، فكان القرآن راجحا وحلاوته في القلب لا تضاهى بقراءة الإنجيل، فهو كما قيل فعلا يعلو ولا يعلى عليه. ومن الذي جعلك إذا تختار الإسلام؟ ارتحت كثيرا لهذه الديانة عند قراءتي للقرآن، ولا يمكنني حقيقة تفسير الأمر بالكلمات لأنه شعور قوي لا يمكن التعبير عنه سوى "بالراحة النفسية والطمأنينة"، كما أنه لا يدركه إلا من قرأه لأول مرة عن تدبر وتمعن في آياته ومعانيه. ما رأيك في هذا التناقض الصارخ، ففي الوقت الذي يفر فيه المسيحيون من ظلمات الشرك والعبودية لغير الله، نجد بعض المسلمين من الجزائريين وغيرهم يتبعون إغراءات الكنيسة ويرتدّون عن دينهم؟ أعتقد أن الدور الرئيسي هنا يعود إلى رجال الدين في الإسلام، وهم الذين يجب أن ينصتوا إلى الشباب، ويفقهوهم في أمور دينهم، وإلا كيف نفسر هروب بعض المسلمين إلى المسيحية إن لم يكن دور رجال الدين فيها كبير ويتبعون فيه شتى الوسائل لترغيب الناس؟ في الوقت الذي يشتكي فيه المرتدّون عن الإسلام الغم والفراغ الروحي الرهيب الذي يفتك بهم، فأن تسمع بشباب هاجروا من أجل لقمة العيش فهذا أمر معقول، لكن أن تسمع أن هجرته كانت بهدف اعتناق المسيحية فهذا ما ينبغي إعادة النظر فيه! ما هي الديانة التي تدين بها عائلتك؟. والداي مسيحيان كيف تلقيا نبأ اعتناقك للدين الإسلامي إذا، وهل تعتقد أن إسلامك سيؤثر على علاقاتك معهما؟ إن والدي تهمهما سعادتي ولطالما منحاني الحرية الكاملة في الإختيار وأنا اليوم لست في الثامنة عشر من العمر، وأعي جيدا قراراتي وقناعاتي فأنا رب أسرة الآن. الآن وبعد إسلامك، ما هي الخطوة المقبلة في هذا الإتجاه، هل تنوي تعلّم القرآن أو اللغة العربية؟ بالطبع سأستمر في تعلم الإسلام والقرآن الكريم، كما سأسعى لمد يد المساعدة لمن هم في رحلة بحث عن الحقيقة، ولكن قبل ذلك سأسعى إلى الإطلاع أكثر حتى تكون لي الحجة أمام من أفكر في دعوتهم لهذا الدين العظيم. وهل أنت سعيد الآن بإسلامك؟ بالفعل أنا سعيد الآن بعد النطق بالشهادتين، لكن في الحقيقة أنني كنت أشعر بأنني مسلم منذ زمن بعيد، واعتناقي للإسلام رسميا كان خطوة عملية تُوِّجت بما كنت أصبو إليه منذ زمن. لقد تزامن دخولك إلى الإسلام مع شهر رمضان الكريم، فهل بدأت تصوم مع الجزائريين وماذا عن صلاتك؟ أنا أؤدي صلواتي يوميا رفقة جزائري هو صديق لي يعينني على تعلمها كما يساعدني على تعلم بعض سور القرآن، أما عن الصوم فقد بدأت ذلك منذ اليوم الذي نطقت فيه بالشهادتين، إلا أنه سبق لي وأن صمت رمضان ليس بنية الإسلام وإنما احتراما لعمال شركتي الذين يصومون رمضان، وذلك من أجل تحفيزهم. في النهاية هل يمكن أن تتفضلوا بنصيحة للشباب الجزائري الذي يرتدّ عن دينه ويعتنق المسيحية؟ أنصح كل الشباب المسلم أن يفكر في النعمة التي منحها الله عز وجل، ومن ذلك أنه نشأ في مجتمع مسلم أبعده عن مشقة التفكير والظلال في ديانات أخرى، لكن ذلك لا بد أن يتوج بالدراسة والبحث، فإن أراد المسلم أن يجد حلاوة إيمانه في قلبه فعليه أن يبحث في أعماق هذا الدين اقتداء بمن فعلوا المستحيل حتى يصل إلينا اليوم على ما هو عليه، وهذه هي نصيحة الكنيسة لأتباعها، فيا أيها الشباب لا تنتظروا أن يُدخِل الله حلاوة الإيمان في قلوبكم مجانا ولكن اجتهدوا في ذلك، تماما كما يجتهد أهل الديانات الأخرى. في الأخير شكرا لك سيدي على هذا الحوار الشيق وصح فطوركم ووفقكم الله إلى التفقه أكثر في دين الإسلام. شكرا جزيلا وبارك الله فيكم.