أرجع الخبير الدولي والمستشار السابق برئاسة الجمهورية، عبد المالك سراي، السبب ندرة وارتفاع سعر مختلف العملات الصعبة في الأسواق الموازية وعلى رأسها ''الأورو''، إلى انشغال عدد من البزناسية في تهريب أموالهم نحو الخارج وتبييضها في شكل استثمارات في كل من إنجلترا، إسبانيا، سويسرا، فضلا عن دبي، بعد انتشار إشاعة انتقال الثورة الشعبية إلى الشارع الجزائري وخشية من امتداد التحقيقات إلى نشاطاتهم غير المشروعة. فيما حقق الدولار الأمريكي والكندي والجنيه الإسترليني معدلات قياسية بلغت قيمة عملة الأورو في الأسواق الموازية أعلى مستوياتها بحر الأسبوع الجاري، حيث تخطى معدلها في سابقة من نوعها منذ سنة 2001، عتبة 14 ألف دينار مقابل 100 أورو، رغم تراجع قيمته على مستوى البنوك والمؤسسات المصرفية إلى 10400 دينار، مسجلا انخفاضا بحوالي 200 دج منذ بداية السنة، في حين شهدت باقي العملات الأجنبية، على غرار الدولار الأمريكي أو الكندي، فضلا عن الجنيه الإسترليني معدلات قياسية لم يسبق لها مثيل في ظل عدم استقرار البورصة الدولية بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها عدد من الدول المجاورة والأوروبية. ويواصل سعر صرف عملة الأورو ارتفاعه في السوق السوداء منذ مطلع الشهر الجاري، حسبما لاحظناه خلال جولة استطلاعية في عدد من الأسواق السوداء لصرف العملات الأجنبية، على غرار ساحة بور سعيد بشارع ساحة الشهداء، حيث قفز نهاية فيفري المنصرم من 13500 دينار مقابل 100 اورو إلى 13650 دينار مطلع الأسبوع الجاري، قبل أن يستقر نهاية الأسبوع المنصرم في حدود 14 ألف دينار، وهي أعلى نسبة حققها منذ حوالي 10 سنوات الماضية، رغم أن معدله لم يكن يتجاوز خلال رأس السنة الحالية 13200 دج، كأعلى مستوى بلغها في إحدى ما يعرف بأوقات الذروة والتي يكثر فيها الإقبال على شرائه من قبل الأشخاص الراغبين في قضاء احتفالات نهاية السنة الميلادية خارج الوطن.ولا يستبعد عدد من تجار العملة بالسوق الموازية استمرار ارتفاع معدلات قيمة ''الأرور'' خلال الأيام القليلة القادمة، نظرا إلى حالة اللااستقرار التي تمر بها العملة الأوروبية في هذه الآونة، لأسباب تبقى مجهولة بالنسبة للكثير منهم، إلا أنهم يتقيدون -على حد قول أحدهم ''ببورصة الشارع''، مؤكدا أن الأسعار باتت تتغير بين عشية وضحاها وليس كما في السابق، حيث كان ارتفاع قيمها مربوطا بأوقات معينة كفترات الذروة، التي تصادف موسم الحج أو فصل الصيف وحتى احتفالات رأس السنة، حيث يكثر الإقبال على اقتناء العملات الأجنبية في الأسواق الموازية نظرا إلى غياب وكالات أو أكشاك صرف خاصة كما هو معمول به في كثير من الدول المجاورة والأوروبية، فضلا عن استحالة الحصول عليها عن طريق القنوات المشروعة كالبنوك التي لا تسمح بصرف أكثر من 15 ألف دينار مرة واحدة في السنة. وفي سياق موازي، وكمنعكس تلقائي، شهدت باقي العملات الأجنبية وبالخصوص الدولار الأمريكي أو الكندي وكذا الجنيه الإسترليني نموا نسبيا لكن سريعا ومتواصلا في نفس الوقت، حيث بلغ أمس، سعر 100 دولار أمريكي 10200 دج في حين لم يكن يتجاوز بداية السنة 9500 دينار، وهو نفس الشأن بالنسبة للدولار الكندي الذي تفوّق على نظيره الأمريكي بتخطي حاجز 21 ألف دج وهي نسبة لم يكن ليبلغها في السابق لو لا توفر الظروف الحالية من اضطراب اقتصادي في عدد من الدول الأجنبية، وهي نفسها الأسباب التي ساهمت في ارتفاع سعر الجنيه الإسترليني الذي حقق نسبة نمو فاقت حوالي 01 بالمائة، ببلوغه 61 ألف دج عن كل 100 جنيه. إثر حملة الإعتقالات التي استهدفت أصحاب محلات صرف العملة ''لورو باربعطاش أو ما كاش' يواجه مؤخرا الراغب في شراء مبلغ معين من ''الأورو ''، عبر القنوات غير الشرعية أو ما يعرف بالأسواق الموازية للعملة، صعوبة في إيجاد المبلغ الذي يريد الحصول عليه، خاصة إذا كان كبيرا نوعا ما نتيجة لتراجع احتياط ''الأورو'' لدى الباعة الفوضويين، غير أن الأصعب من ذلك في يومنا يكمن في العثور على الشخص أو بالأحرى البائع الذي يقبل المجازفة في ظل التشديد الأمني الذي تفرضه مصالح الأمن على هذا النشاط غير المشروع، لاسيما بعد دخول قانون الصرف الجديد حيز التطبيق مطلع السنة الجارية. فمنذ بداية السنة الجارية، خيم نوع من الحذر الذي يطغى عليه شعور بالخوف عبر أغلب أسواق صرف العملة في العاصمة وعدد من المدن الرئيسية للولايات الكبرى، إثر حملة الاعتقالات التي باشرتها قوات الأمن والدرك الوطني في حق بعض أصحاب محلات صرف العملة بطريقة غير شرعية، والتي شملت عددا من الناشطين الكبار في هذا المجال، على غرار المدعو ''السوفي'' صاحب محل بيع الهواتف النقالة ببلدية ''حيدرة'' أحد أرقى أحياء العاصمة، والذي كان يستغل محله لصرف العملة وتهريب ما لا يقل عن 320 مليار دينار جزائري نحو الخارج في أقل من 3 سنوات، وهي القضية التي ساهمت معالجتها في انتشار موجة من التردد وشبه الامتناع لدى تجار الشوارع الذين ضاعفوا مستوى اليقظة وباتوا يرفضون التعامل مع من يجهلونه خشية من الوقوع في قبضة مصالح الأمن التي شددت من مستوى الرقابة لهذه الفئة، وهو ما عايشناه أول أمس في جولة قصيرة قادتنا إلى ساحة بور سعيد أو حي ''السكوار'' كما هو متداول لدى العامية. حذر ممزوج بالخوف يسودان أسواق الصرف الموازية فبمجرد أن تخطينا زحمة المرور التي سادت الطرقات والمسالك المؤدية إلى ساحة الشهداء، وصلنا في حدود الحادية عشر صباحا إلى ساحة ''بور سعيد''، أين كانت تبدو الأمور في ظاهرها شبه عادية، قبل أن نتفطن شيئا فشيئا إلى مناخ الحذر الذي كان يسود المكان، والذي أخذ يظهر جليا من خلال النظرات المطولة التي كانت تراقبنا منذ اجتيازنا لقصر العدالة محكمة ''عبان رمضان''، حيث لم تغادرنا أعين تجار العملة الذين لطالما ترددوا في اقتراح البيع أو الشراء علينا، للاشتباه في انتمائنا إلى أعوان الأمن الذين يجوبون المنطقة بالزي المدني، بما لا يجعل من ذلك استقبالا خاصا بنا، وإنما مجرد إجراء روتيني ينطبق على كافة الغرباء الذين يقصدون السوق الموازية.. ندرة في احتياط ''الأورو'' لدى الباعة أول من تقدم منا كان شابا في حدود ال25 من العمر، كان يحمل بين يديه حزمة من الأوراق النقدية من فئة 1000 دج، وتردد كثيرا في التقدم منا قبل أن يسألنا ''خويا كاش ما تبيعنا''، لأضطر حينها لتقمص أحد الدورين لا ثالث لهما، سواء مشتري أو بائع، ففضلت أن أنتحل صفة الأول حتى أبلغ أكبر قدر من المعلومات التي كنت أبحث عنها دون أن أثير الكثير من الشبهات أو الشكوك حولي، وهو ما كان بالفعل ورحت أسأله عن القيمة التي يمكنه بيعها، غير أن الإجابة التي حظيت بها لم تكن متوقعة، خاصة عندما أكد أنه لا يحوز على أي مبلغ من العملة الصعبة، مضيفا أنه ينتظر شراء كمية منها ليشرع بعدها في تسويقها نظرا إلى نقص الأوراق النقدية الأجنبية بصفة عامة، وبالخصوص ما تعلق منها ب''الأورو'' قبل أن يختتم حديثه بعبارة ''راهوا غالي ياخو'' ، ففي بداية الأمر راودني شك أن إجابته لم تكن سوى حيلة للتخلص مني بداعي الخوف، إلا أنه لم يقضي وقتا طويلا لأقتنع أن ذلك كان الحقيقة دون مزايدة، خاصة بعدما ترددت نفس الإجابة على لسان العشرات من الأشخاص كانوا يمارسون النشاط ذاته، وهو ما أرجعوه إلى التشديد الأمني الذي تشنه الأجهزة المختصة والتي تمكنت من الإطاحة بعدد هام من الرؤوس التي كانت تسهر على توفير مبالغ معتبرة من المبالغ الأجنبية. ورغم ذلك واصلنا رحلة البحث عن ''الأورو'' وسط باعة ''السكوار''، إلى أن عثرنا على قلة ممن يحملون بعض الأوراق النقدية من العملة الأوروبية من فئة 20، 100 و500 أورو، الذين كان يتمركزون عند مدخل أحد المقاهي المطلة على ساحة بور سعيد، وبمجرد سؤالنا عن آخر سعر بلغته قيمة البيع، أجابنا أحدهم بكل ثقة ''راهو ب41'' أي ما يعادل 14 ألف دج مقابل 100 أورو، وحاولت حينها التفاوض معه لتخفيض السعر، مدعيا رغبتي في اقتناء حوالي 2000 أورو وهو مبلغ لا يستهان به باعتبار أن ما يعادله من العملة الوطنية لا يقل عن 28 مليون سنتيم، ليؤكد حينها أنه ليس في استطاعته النزول إلى أقل من 13.98 أي 13980 دج مقابل كل 100 أورو. الخبير الدولي والمستشار السابق برئاسة الجمهورية عبد المالك سراي ل''النهار'': ''بزناسية'' يهرّبون أموالا ضخمة نحو الخارج خوفا من التحقيقات أرجع الخبير الدولي والمستشار السابق برئاسة الجمهورية، عبد المالك سراي، السبب ندرة وارتفاع سعر مختلف العملات الصعبة في الأسواق الموازية وعلى رأسها ''الأورو''، إلى انشغال عدد من البزناسية في تهريب أموالهم نحو الخارج وتبييضها في شكل استثمارات في كل من إنجلترا، إسبانيا، سويسرا، فضلا عن دبي، بعد انتشار إشاعة انتقال الثورة الشعبية إلى الشارع الجزائري وخشية من امتداد التحقيقات إلى نشاطاتهم غير المشروعة. وأوضح، سراي، في اتصال ب ''النهار''، أن هذا التحرك المشبوه الذي يجري بصورة خفية ولكن بوتيرة متسارعة، كان له أثر مباشر على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في السوق الموازية بفعل ارتفاع الطلب عليها من قبل هؤلاء ''الطراباندية'' الكبار الذين يشعرون في الوقت الراهن بالخوف على ثرواتهم الطائلة التي جنوها في السنوات الماضية من التجارة الفوضوية ودون تسديد الرسوم الضريبية، مع احتمال اكتشاف أمرهم في حال خروج الشعب الجزائري إلى الشارع وفتح تحقيقات أمنية حول مصدر هذه الأموال، مما جعلهم يشرعون في تهريبها إلى الخارج، عوض استثمارها محليا في ظل التسهيلات التي أقرتها الدولة بناء على آخر مجلس حكومي.ورغم أن هذه العمليات المشبوهة لم يتم الإعلان عنها رسميا إلا أنه يضيف الخبير الاقتصادي- تم رصد تزايد وتيرة تهريب الأموال الجزائرية نحو الخارج وبالخصوص إنجلترا، إسبانيا، سويسرا وكذا دبي حسبما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الأجنبية مؤخرا، كما سجل في ذات السياق إبرام عدة صفقات هامة في عدد من الدول الأجنبية على غرار تركيا، وهو ما فسره المستشار السابق برئاسة الجمهورية، باغتنام بعض المقاولين والتجار الفوضويين الأوضاع الراهنة وتراجع الحكومة عن بعض الإجراءات الاقتصادية في مجال آليات مراقبة التجارة الخارجية بما في ذلك إلغاء التعامل بالصكوك في التعاملات التي تزيد قيمتها عن 500 ألف دج، ليحققوا مبتغاهم وعقد أكبر قدر من العمليات المربحة، قبل أن تشديد الإجراءات القانونية على الاقتصاد الخارجية الذي يتوقع أن يكون استنادا إلى الخبير الدولي في غضون الستة أشهر القادمة، والتي اقترح إدراجها تدريجيا على مدار أربع أو خمس سنوات القادمة، حتى لا تصطدم الدولة ولا يتأثر اقتصادها بحركة الهروب الجماعي للمتعاملين الذين يرفضون الاستثمار في ظروف مماثلة ومن ثم إعطاء فرصة لباقي التجار للتأقلم مع الإجراءات الجديدة التي لا غنى عنها.