عادت أجواء الفوضى والفلتان الأمني إلى الشارعين التونسي والمصري، في مؤشرات تدل على قرب انزلاق الأوضاع، بما يهدد بنشوب حرب أهلية في مصر وتونس. في مصر، استمرت المعارك الطائفية بين المسلمين والأقباط، رغم دعوات التهدئة ومساعي المجلس العسكري في مصر لنزع فتيل الانفجار، من خلال توقيف دعاة الفتنة والقبض على عدد من المحرضين على أحداث العنف الأخيرة. وشهد يوم أمس في العاصمة المصرية القاهرة، محاولة اقتحام جماعي نظمها مئات الأقباط لمبنى التلفزيون المصري، قبل أن تتدخل قوات الأمن مرفوقة بالجيش، لتفريق المتظاهرين. وعلى الجهة المقابلة تنامت أصوات التيارات السلفية في مصر الداعية إلى شن حرب مفتوحة على كل ما هو قبطي، وهي الدعوات التي بدأت تجد آذانا صاغية لها رغم تحذيرات السلطات والعقلاء من الانجرار لفتنة داخلية تمهد لحرب أهلية. وساهمت الإجراءات السريعة التي اتخذها الجيش المصري القابض على زمام سلطة اتخاذ القرار في مصر، من قبيل فرض التأشيرة على الرعايا الليبيين الراغبين في دخول التراب المصري، في تغذية الشكوك السائدة بشأن المخاوف من انتقال الفوضى من ليبيا نحو تونس، حيث لم تفلح مساعي المعارضة الليبية ولا حتى احتجاجاتها في ثني المجلس العسكري الحاكم في مصر على التراجع عن قرار فرض التأشيرة، في وقت قال فيه وزير الخارجية المصري في معرض تبريره للإجراء، أنه لم يكن على اطلاع عليه، مما يؤشر على أن أسباب فرض التأشيرة أمنية محضة، وتتعلق بالأمن القومي لمصر. وفي تونس، تشابه الوضع مع ما هو سائد في مصر، حيث بالموازاة مع حرب التصريحات الناشبة بين رموز نظام الحكم السابق، مثل وزير الداخلية الأسبق، ما تزال المعارك دائرة بين العلمانيين والإسلاميين في تونس، بالرغم من محاولة حركة النهضة التونسية التمظهر بمظهر الاعتدال وتجنبها الوقوع في صدام مع الأحزاب وحركات المجتمع المدني اليسارية في تونس. وكان المؤشر على خطورة الوضع في تونس بشكل يجعله على حافة الانزلاق نحو المجهول، هو قيام السلطات العليا في البلاد بمنح الضوء الأخضر للشرطة ومصالح الأمن التونسية لقمع وردع كل خروج عن سلطة القانون، بداية من فرض حظر للتجوال منذ يومين، وصولا إلى استخدام العنف ''والهراوات'' والقنابل المسيلة للدموع لتفريق كافة أشكال التظاهر والاحتجاج مهما كانت سلمية، قبل أن تتطور الأمور إلى حد التلويح بتأجيل موعد الانتخابات التشريعية بسبب حالة عدم الاستقرار التي تسيطر على المشهد العام في تونس، وهو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي، مساء أول أمس، عندما طرح فكرة إمكان تأجيل الانتخابات المقررة في جويلية المقبل، موضحا انه من الممكن أن تجرى في موعد لاحق لأسباب فنية إذا دعت الحاجة، قبل أن يخرج رئيس الهيئة المكلفة برسم الإطار التشريعي الانتخابي للمجلس التأسيسي عياض بن عاشور، أمس، ليدلي بتصريحات ترجح فرضية تأجيل موعد هذه الانتخابات إلى شهر نوفمبر. وكان رئيس حزب ''النهضة'' راشد الغنوشي، قد اعترف في وقت سابق في تصريحات صحافية ب''خطورة الوضع في تونس'' وخاصة في العاصمة التي تشهد منذ أربعة أيام تظاهرات مناهضة للحكومة يتم قمعها بقسوة. كما اتهم الغنوشي وزير الداخلية التونسي الأسبق الراجحي الذي حذر من ''انقلاب عسكري'' في حال فوز الإسلاميين في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ب''بصب الزيت على النار في أجواء متفجرة، وذلك في سياق يشك فيه الشعب في مصداقية الحكومة بالنسبة لتنفيذ أهداف الثورة''، مؤكدا عدم اتفاقه مع الراجحي ''في اتهامه الجيش بالتلاعب وإراقة الدماء لان الجيش هو الذي أنقذ الشعب من حمام دم خوفا من تسلل إرهابيين من دولة بنغازي القاهرة تفرض التأشيرة على الليبيين لأسباب أمنية ومستقبل النهضة يؤزم الأوضاع في تونس قامت السلطات المصرية بفرض التأشيرة على الليبيين الراغبين في الدخول إلى أراضيها، كإجراء احترازي لتأمين أراضيها مخافة تسلل عناصر من الجماعات الإرهابية المسلحة إلى أراضيها، خصوصا بعد التسجيلات الصوتية للتنظيم الإرهابي المعروف بالقاعدة في المغرب الإسلامي الداعم للعمليات العسكرية للثوار اللييين. وفي هذا الشأن، قال مسؤول مصري على صلة بالمجلس العسكري الذي يتولى تسيير الشؤون اليومية للدولة المصرية حاليا، حسبما نقله موقع ''ثورة ليبيا'' المقرب من المعارضة الليبية، أن هذا القرار يأتي على خلفية أمنية لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل. وأكد أن الخارجية المصرية ستصدر خلال الساعات القليلة المقبلة توضيحا لهذا القرار، الذي قال أنه لم يصدر مطلقا من وزارة الخارجية المصرية التي فوجئت به تماما، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه ''حسب اعتقادي فإن المجلس العسكري أو وزارة الداخلية هي الجهة التي أصدرت هذا القرار -مضيفا- وفى هذه الحالة ثمة تفسير أمني ليس بإمكاننا الإفصاح عنه في الوقت الحالي''. ومن جهة أخرى، نقل الموقع ذاته، أن السفير المصري في العاصمة الليبية طرابلس بالإضافة إلى القنصل المصري العام في بنغازي قد نقلا للخارجية المصرية انزعاج السلطات الليبية والمجلس الانتقالي من صدور هذا القرار المفاجئ. وقال الموقع، أن القرار المفاجئ الذي اتخذته السلطات المصرية يستهدف بالدرجة الأولى حماية وتأمين المعارضة الليبية في القاهرة ومنع نظام العقيد معمر القذافي من إرسال عناصر مشبوهة لتنفيذ أعمال إرهابية واغتيالات ضدهم. وذكر موقع الثوار أيضا، أن مسؤولين في المجلس الانتقالي الليبي المناهض للعقيد القذافى قد بدؤوا سلسة اتصالات غير معلنة مع السلطات المصرية لحثها على التراجع على قرارها المفاجئ بشأن منع دخول الليبيين إلى الأراضي المصرية بدون تأشيرة مسبقة. وعلى صعيد آخر، عبّر عبد المنعم الهونى ممثل المجلس لدى السلطات المصرية والجامعة العربية عن أسفه لما وصفه بهذا القرار الصدام والمفاجئ الذي اتخذته السلطات المصرية بدون التشاور المسبق مع المجلس الانتقالي الممثل للثوار المناوئين لنظام العقيد القذافى. وقال الهونى لموقع ''ثورة ليبيا''، ''تلقينا بكل أسف هذا القرار الصادم لكل الليبيين، هذا سيؤثر سلبا على آلاف الليبيين الذين يلجؤون إلى مصر هربا من جحيم القذافي، كما سيمنع وصول الجرحى والمصابين في العمليات العسكرية بين الثوار وقوات القذافي من الدخول إلى مصر''، وأضاف ''هذه مأساة إنسانية جديدة، لم نكن في حاجة إليها، لذا نناشد الإخوة المصريين أن يعيدوا النظر في هذا القرار في أسرع وقت ممكن''.