سيدتي نور، أنا رجل في 45 من العمر أشغل وظيفة مرموقة، والله الذي لا إله غيره، إني أكتب هذه الرسالة وقلبي يعصره الألم والجراح العميقة جراء ذنبي الذي لم أقدر أن أتخلص منه منذ زمن طويل. ذنبي سيدتي، هو الكذب فأنا أكذب بشكل كبير فحينما أقوم بجرد أعمالي اليومية، لا يكاد يوم يمر دون أن أكذب أكثر من 3 مرات، بل قل عشرات في بعض الأحيان، وعندها يضيق صدري ويضطرب فؤادي وتنهمر دموعي أحيانا، أستغفر ربي وأدعوه بكل صدق ورجاء بأن يخلصني من هذا الداء. والله أعرف ما عقوبة الكذب، بل إني جمعت أحاديث الكذب الصحيحة والضعيفة، وأجاهد نفسي كي أقنعها، لكن لا أدري ما نوع النفس التي أملكها، أكذب بنشوة واحتراف يكاد أن يستحيل على أحد أن يكتشف بأني أكذب، وحين أشعر بنفسي بأني سأتورط أستطيع أن أنفلت من الكذبة بدهاء ومكر عجيب. عذرا سيدتي لهذه الصراحة، لكني أعرف بأنه من أوائل خطوات حل المشكلة هي معرفة أن هناك مشكلة، وأنا أكتب إليك مشكلتي عسى أن تشيري علي بحل يشفي علتي. والدي - غفر الله له - حينما كنا صغارا كان يمارس علينا ضغوطا كبيرة وكان ينتهج الضرب المبرح أسلوبا للتربية، لذا كنا أنا وإخوتي نكذب كي ننجو من آلام العصا الخشبية التي طالما تكسرت على أضلعنا. فمنذ ذلك الحين وأنا بل وأخي أيضا نكذب ونكذب ونكذب، تربينا على الكذب، وكما يقال من شبّ على شيء شاب عليه، وأتميز عن أخي بأني أعرف الداء وأبحث عن الدواء، أما هو فلا. أحيطك علما أنني غالبا ما أكذب حبا للظهور والرفعة، وأحيانا حبا للكلام، وأحيانا حبا للكذب، وأحيانا حبا لإضحاك الناس، وأعرف بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذّر كثيرا من هذا، لكن نفسي تُحمسني للكذب من باب إدخال السرور إلى قلب أصدقائي، وما أرى هذا إلا من كثرة جهلي وخُبث نفسي. أرجوك أعرف الكثير عن هذه العقوبة وأعرف كل الأحاديث تقريبا، لكن أريد حلولا عملية تفيدني، أحيانا بل كثيرا ما أتجنب الذهاب إلى أقاربي أو إلى فلان أو فلان، لأني لا أملك نفسي حينما أتحدث وأعرف بأني سوف أكذب، وكم جربت نفسي وخوفتها، بل أحيانا تدمع مقلتاي من كثرة تخويفها من عذاب الله، لكن لا تلبث دموعي أن تجف إلا وأرمي تلك الكذبة. والله العظيم إني أحيانا أفكر ما هي الكذبة، وكيف لي أن أكذب على صديقي الذي لم أره منذ سنوات، لكي يعرف بأني أصبحت ذو جاه ورفعة وفخر و..و!. أرجو ألا تظني بأنّي أكذب أيضا في رسالتي هذه، فأنا الآن صادق، لذا استغليت أن أكتب رسالتي هذه، وأرجو أن يكون ردك سريعا قبل أن يوافيني الأجل وأندم يوم لا ينفع مال ولا بنون. رضوان/ تيزي وزو الرد: سيدي الكريم؛ إن الجهد الذي تبذله، والمحاولات التي تقوم بها للتخلص من هذه الآفة، لن تضيع سدى، ولن تذهب هباء منثورا، وإنما هي من الجهد المأجور إن شاء الله، إلا أنّه يبدو أن ما تقوم به من جهود ومحاولات للتخلص ليست كافية، حيث يبدو من كلامك أن هذه العادة متأصلة فيك منذ الصغر، نتيجة قهر وشدة والدك عليكم وأنتم صغارا، وضربكم بشدة، مما اضطركم للكذب هروبا من العقاب، ورغم ذلك أرى أنك لم تستسلم وأنك تشعر بالخطر المحدق بك، لذا أود أن تضيف إلى جهودك الحالية جهودا أخرى، من أهمها ما يلي: إن أهل الأرض جميعا لم ولن يستطيعوا أن يخلصوك من تلك العادة الذّميمة، ما لم يكن لديك قناعة بذلك، فلا بد من قرار قوي وجريء من داخلك، بأنّك لن تكذب بعد اليوم، فخذ القرار بعدم الكذب، وصمّم على ذلك بكل قوة، واعلم أنك وحدك القادر على إنقاذ نفسك دون مساعدة من أحد، فثق بأنّك قادر على ذلك وخذ القرار"لا كذب بعد اليوم". سيدي الكريم؛ قلل من كلامك مع أي أحد قدر المستطاع، ولا تنطق بأي كلمة إلا بعد تفكير مهما كانت أهمية الكلام، وركز على كلامك، وواجه نفسك بالصراحة، وقل لها: لن أعيش كذابا طيلة عمري مهما كانت الثمار التي أجنيها، قل لها بصراحة وبصوت مسموع: لن أكذب، وواصل الدعاء أن يعينك الله ويعافيك. سيدي؛ عند بداية النوم، كرر عبارة: أنا صادق، عشرين مرّة لمدة شهر، كذلك بعدها إن لم تتوقف العادة، كرر عبارة: الكذب قبيح وذميم. واصل جهودك التي تقوم بها من محاولات المقاومة، ومع ذلك ركز على كلامك وعباراتك، ولا تطلق للسانك العنان بقول ما يحلو له، وقلل من الكلام، وفكّر قبل أن تتكلم واستعن بالله ولا تعجز، وذكر نفسك بمنازل الصديقين والصادقين، وأعلن الثّورة على نفسك، لأنّها هي التي أوصلتك لهذه الحال مع الإكثار من الدعاء"اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي". سيدي؛ إن هذا الأمر ليس مستحيل، وإن كان فيه بعض الصعوبة، إلاّ أنّني واثقة أنّك قادر على التخلص في أقرب فرصة، وعمّا قريب سوف تتصل بي لتبشرني إن شاء الله، فثق في نفسك واعلم أنّ الله معك ما دمت لا تريد إلا مرضاته، فتوكل عليه فلن تخيب إن شاء الله. ردت نور