''أعطيني هذا الدواء راني شفتو في الأنترنت في غوغل''، ''شوف طبيب، راني قريت في واحد السّيت بلي كاين دواء جديد.. حطهولي في لوردوناس..''، ''دكتور راني شفتها في برنامج ''the doctors''، ''ألو دكتور أعاني من ألم في الصدر، هل يمكنك أن تصف لي دواء ما للتخفيف عني''، وغيرها من الأوامر بأتم معنى الكلمة التي أصبحت توجّه للطبيب المعالج بعد الكشف على المريض، والتي تستند أساسا على ما تم تصفحه عبر الأنترنت، أو مكالمة هاتفية مع الطبيب للكشف عن الحالة عن بعد. الأسوأ في الأمر كله، هو أن العديد من المرضى يتوجهون إلى الصيدلة لاقتناء الدواء، بناء على استشارة شاملة ومتخصّصة توفرها مجانا ''عيادة الدكتور غوغل''، الذي وفر عليهم عناء التنقل إلى المستشفى والوقوف في طوابير طويلة، وعدم دفع ثمن الكشف عند طبيب خاص وتكاليف إجراء التحاليل التي يستحيل إجراؤها في مستشفيات الدولة بدون وساطة، بالمقابل يوفر الدواء دون أي وصفة طبية العديد من الصيادلة أو بالأحرى باعة الأدوية، الذين يجهلون دواعي وصف الدواء وانعكاساته الخطيرة، لتحقيق أكبر قدر من الرّبح حتى وإن كانت على حساب الصحة العمومية. وبناء على ذلك، ارتأت ''النهار'' تسليط الضوء على هذه الظاهرة، التي أصبحت في تزايد مستمر، بالنظر إلى الإنتشار الواسع للتكنولوجيا وسهولة الوصول إلى هذا النوع من المعلومات، سواء كان عن طريق الأنترنت أو الإتصال عن طريق الهاتف، من خلال مجانية المكالمات التي يوفرها متعاملو الهاتف النقال. من عيادة الأنترنت إلى صيدلي ''الحومة''..! وحالات العلاج عن بعد لا عدّ ولا حصر لها، كتلك المتعلقة ب''س. ك''، البالغ من العمر 40 سنة، يعمل مهندسا في الإعلام الآلي بالقليعة، حيث كشف لنا أنه بحكم وظيفته، يعمد إلى دخول الأنترنت لساعات طويلة، وقال إنه بمجرد أن يشعر ببعض الآلام، يتوجّه إلى طبيبه الأول المتمثل في محرك البحث ''غوغل''، حيث يقوم بإدخال الأعراض التي يعاني منها، لتحديد نوع المرض والدواء المستخدم لعلاجه، ثم يتوجه مباشرة إلى صيدلي ''الحومة'' الواقع بمحاذاة مسكنه، ويقتني العقاقير اللازمة لعلاجه دون أن يكلف نفسه عناء اللجوء إلى الطبيب واستشارته. والأمر ذاته ل''أ. ش''، البالغ من العمر 25 سنة، الذي أكد لنا أنه نادرا ما يلجأ إلى المستشفى أو الطبيب الخاص للكشف عليه، إذ أنه بمجرد شعوره بأي عارض، يقوم بالإتصال بخاله الذي يعمل طبيبا مختصا في ولاية سطيف، مستغلا مجانية المكالمات التي يوفرها متعاملو الهاتف النقال، ويسرد له كل ما يعاني منه، وبمجرد نهاية الكشف عن طريق الهاتف، يتوجّه ''أ. ش'' إلى الصيدلية ويشتري قائمة الأدوية التي وصفها له خاله الطبيب. عجز البروفيسور عن مداواته فقام الدكتور ''غوغل'' بعلاجه ومن المفارقات العجيبة التي وقفت عليها ''النهار''، هي حالة تخص الشاب ''ن. ك'' القاطن بباب الوادي، عجز أستاذ متخصص بالمستشفى الجامعي لبني مسوس عن علاجه، حيث أصبح غير قادر على المشي، لدرجة تنقله على متن كرسي متحرك، حيث مكث هناك لمدة شهر كامل، دون أدنى نتيجة تذكر، ليؤكد له البروفيسور أن حالته ميؤوس منها ولا علاج لها، فما كان من المريض سوى أن سلّم أمره الى الله، وبعد أشهر، قام أحد أقربائه بتوجيهه إلى طبيب أعصاب متخصص يعمل في باش جراح بالعاصمة، والذي بعد الكشف عنه، وصف له مضادات حيوية، مكنته من الوقوف بشكل جزئي، وواصل العلاج إلى أن تمكّن من الوقوف 100 بالمائة، دون أية مساعدة، ليتبين في نهاية المطاف أن علاج ''ن. ك''، تم بواسطة محرك البحث غوغل، الذي وصف لطبيب الأعصاب كيفية علاجه، وأكد للمريض بعد مساءلته، أن حالته كانت بسبب تعرّضه للسعة حشرة أثناء قيامه بالجري في غابة بوشاوي، والتي تسببت له في ذلك الشلل، وقال لنا المريض ضاحكا: ''الحمد لله كاين غوغل''. برنامج ''the doctors'' كاد يفقدها البصر إلى الأبد ومن الحالات التي وقفت عليها ''النهار''، واحدة تخص الشابة ''م. ج''، طالبة في السنة الثانية ثانوي بدالي إبراهيم، مدمنة على متابعة البرامج الطبية، وتطبيق كل ما يقولون حرفيا، إلى أن كادت أن تفقد بصرها، بعد أن شاهدت في البرنامج الأمريكي ''the doctors''، موضوعا حول علاج التهاب القرنية وكيفية علاجها، حيث قامت باستخدام قطرات موضعية بعد أن شعرت بحرقة في العين اليسرى، نتيجة دخول حبيبات من الغبار فيها، ودون أن تتحقق من دواعي الإستطباب الخاصة بالقطرات التي قامت بشرائها من الصيدلة دون وصفة، وجدت ''م. ج'' نفسها مصابة بالتهاب حاد نتيجة استخدامها للقطرات لمدة فاقت 10 أيام، ولولا التدخل العاجل للفريق الطبي بالمستشفى الجامعي لبني مسوس، لوقع ما لا يحمد عقباه. قال إن الصيادلة طرف أساسي في المشكلة بقاط: ''الأنترنت جعل من مهنة الطب حرفة لمن هبّ ودبّ'' من جهته، أفاد الدكتور بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، أن الأنترنت، فتح باب ممارسة الطب على مصراعيه، لمن هبّ ودبّ، وكل موقع يغني على ليلاه، إذ يقوم المريض باستشارة الموقع قبل الطبيب، ويقتني الدواء من بائعي الأدوية وليس الصيادلة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الممارسات فاقم من المشكل القائم، وهو صرف أدوية دون وصفة، ووجود بائع في الصيدليات لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بماهية وصف الدواء وموانعه، وهو الأمر الذي يشكل خطرا حقيقيا على الصحة العمومية، كون البائع لا يفقه شيئا في مجال الدواء، فيما يتواجد الصيدلي في الخارج، أو يتقاضى مبلغا معينا كل شهر مقابل كرائه لشهادته. وذكر بقاط، أن الأنترنت جعل من الطبيب حلا أخيرا يتم اللجوء إليه في حال عدم شفاء المريض، وفي حال ما إذا تمت استشارته، فإن المريض يقول له أنه رأى في الأنترنت هذا العلاج وذاك، بل ويملي عليه قائمة الأدوية الواجب وصفها، وهو الأمر الذي يضع الطبيب في مأزق أمام إحراج المريض أو عدم احترام أخلاقيات ممارسة مهنة الطب والإنصياع لطلباته. أما بالنسبة للإستشارات عبر الهاتف، فقال بقاط، أنه لابد على الطبيب معاينة المريض سريريا، للتأكد من نسبة ضغطه ومستوى السكري في الدم، كونها أعراض لا يتم الكشف عنها عن طريق الأنترنت أو الهاتف، وهو الأمر الذي قد يفضي إلى وقوع كوارث في حال ما قام المريض بالإعتماد على الإستشارة عن بعد، واستهلاك أدوية قد تتسبب في خلق مناعة على المدى البعيد تؤدي إلى عدم نجاعة أي دواء على جسد المريض.