إنّ نشأة الراوية الجزائرية غير مفصولة عن نشأتها في الوطني العربي،حيث لها جذور عربية و إسلامية مشتركة كصيغ القصص القرآني و السيرة النبوية و مقامات الهمذاني و الحريري و الرسائل و الرحالات،وقد كان أول عمل في الأدب الجزائري ينحو نحوا روائيا هو "حكاية العشاق في الحب و الاشتياق" لصاحبه محمد بن إبراهيم سنة 1849م،تبعته محاولات أخرى في شكل رحلات ذات طابع قصصي منها "ثلاث رحلات جزائرية إلى باريس " سنوات (1852م، 1878م، 1902م) ، تلتها نصوص أخرى كان أصحابها يتحسسون مسالك النوع الروائي دون أن يمتلكوا القدر الكافي من الوعي النظري بشروط ممارسته مثلما تجسده نصوص:"غادة أم القرى" سنة 1947م ل أحمد رضا حوحو،و" الطالب المنكوب "سنة 1951م ل عبد المجيد الشافعي،و" الحريق" سنة 1957م ل نور الدين بوجدرة، و "صوت الغرام" سنة 1967م ل محمد منيع،إلاّ أن البداية الفنية التي يمكن أن نؤرخ في ضوئها لزمن تأسيس الرواية في الأدب الجزائري اقترنت بظهور نص "ريح الجنوب" سنة 1971م ل عبد الحميد بن هدوقة . وفي هذا الخصوص وعلى مدار يومين متتاليين،احتضنت أمس الأول،كلية الأدب العربي والفنون بجامعة باتنة 1، ملتقى دولي موسوم ب " الرواية الجزائرية المعاصرة من المحلية إلى العالمية "،من تنظيم مخبر الموسوعة الجزائرية الميسرة الذي يرئسه الدكتور " محمد زرمان" ، حيث كان ذلك بحضور ومشاركة مختلف الكتاب والدكاترة من داخل وخارج الوطن عبر تقنية التواصل المرئي عن بعد ، وعلى رأسهم الأديب الدكتور بجامعة برج بوعريريج " جلاوجي عزالدين " الحائز على جائزة "كتارا" للرواية العربية عن روايته "عناق الأفاعي "ّ في الدورة الثامنة للجائزة والتي أعلن عن نتائجها من مقر منظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة " يونسكو" بالعاصمة الفرنسية باريس ، لاول مرة في تاريخ جوائز الرواية العربية . أشغال الملتقى انطلقت بعد كلمة افتتاحية القاها عميد كلية الادب والفنون بجامعة باتنة 1 الدكتور " لخضر بلخير "، ليعلن بعدها نائب مدير الجامعة للتضاهرات العلمية والعلاقات الخارجية الاستاذ الدكتور " علي رحال" عن الافتتاح الرسمي للملتقى الدولي ،حيث كانت اول محاضرة للدكتورة " آمنة بلعلى" من جامعة تيزي وزو بعنوان " العالمية والسرد المقاوم " ، ثم تلاها الدكتور " عزالدين جلاوجي" بمداخلة جميلة عنوانها " العالمية من أين السبل "،بعدها مباشرة وعبر تقنية الزوم شارك الدكتور العراقي صفاء الدين القبسي بمحاضرة موسومة ب " الرواية الجزائرية الحديثة من أسئلة الذاكرة الى النص المحدث " . هذا وتوالت المداخلات والجلسات العلمية تطرق من خلالها المشاركون إلى مواضيع متفرقة تخدم محاور الملتقى وتعالج إشكالاته الرئيسة ، نذكر منها محاضرة تحت عنوان " رهان العالمية في تجربة الروائي عز الدين جلاوجي للأستاذ الدكتور "عبد الحميد هيمة" من جامعة ورقلة،مداخلة الأستاذة "أمال باشيوة "من جامعة قرطاج بتونس معنونة ب "ظاهرة الفساد وتمثلاتها في الرواية الرقمية الجزائرية"و رواية الزنزانة رقم 6 لحمزة قريرة،مداخلة للدكتور "فوزي لحمر" من جامعة باتنة 1 " المكون الثقافي في الرواية الجزائرية المعاصرة / الاعتزاز بالانتماء والانفتاح على الآخر،قراءة في رواية ليليات رمادة لواسيني الأعرج،محاضرة لطالب الدكتوراه/ صالح سعودي من جامعة باتنة 1 الموسومة ب " تحولات سيرة الأمير عبد القادر الجزائري من التاريخ المحلي إلى التاريخ الإنساني في كتاب الأمير لواسيني الأعرج "،وغيرها من المداخلات القيمة . وفي كلمة للروائي والدكتور " عزالدين جلاوجي " قال إن الملتقى جاء في مرحلة مفصلية وقت صراعنا بين المركزية الغربية التي تريد أن تقولب كل شيء وتفرض نمطا وطريقة معينة ف التفكير والكتابة وكذا الإبداع ، ثم تريد من كتابنا وأدبائنا أن يكتبوا وفق ما تريد هي وتحاول أن تطبل لمثل هذه النصوص تحت مسمى العالمية ، ولكن نجد في كثير من الأحيان انسياق هذه النصوص وفق الخطاب الاستعماري التي تسهم في احتلال الشعوب والسيطرة عليها مثلما كان في السابق الاستشراق وسيلة للاستعمار،الآن أصبح الإبداع وسيلة من وسائل الاستعمار،هذه النصوص والإبداعات إما أنها تعمل على تقزيم الإنسان عندنا وتجعله تافها وجب احتلاله والسيطرة عليه أو حتى إبادته ، مثلما وقع في أمريكا مع الهنود الحمر ، – يضيف محدثنا – " أدت الفنون دورا كبيرا جدا في تشويه هذه الشعوب و تقزيمها،أو في تعظيم المركزية الغربية بلعب دور تخليص الإنسانية وأننا ملزمون بالتفاف حولها،وبالتالي هذه الملتقيات فيها نوع من التوعية للمبدع والناقد من اجل أن نصنع توجها معينا يؤدي في نهاية المطاف لكتابة نصوصنا كما نريد نحن لا كما يريد الغرب ومن خلالها نؤسس لعالميتنا . أما بخصوص جائزة "كتارا" للرواية العربية التي تحصل عليها ، يقول " جلاوجي،أن " التتويج مفخرة لمشروعي الإبداعي الذي امتد على لأكثر من 25 سنة،والذي قدمت من خلاله أزيد من 50 كتابا في الرواية،القصة،المسرحية،النقد وغيرها،مما يجعل من هذا التتويج محفزا مهما يدفع بنا قدما كي نجدد العهد مع الكتابة التي تصنع الوعي وليست الكتابة التي تمارس الانبطاح والتبعية وتدجل على الناس وتجعل منهم مجرد أنعام مسيرة دون وعي ، أما نص "عناق الأفاعي" هو ثلاثية تمتد 1800 صفحة بدأت في الجزء الأول ب " حوبة ورحلة البحث عن المهدي المنتظر،الجزء الثاني " الحب ليلا في حضرت الأعور الدجال،والجزء الثالث " عناق الأفاعي " . وفي نفس السياق يضيف الأستاذ الدكتور "محمد زرمان" رئيس مخبر الموسوعة الجزائرية الميسرة،أن موضوع الملتقى يندرج ضمن إطار خدمة الثقافة الجزائرية التي عانت لعقود طويلة من التهميش ، الآن أردنا أن نتقل بهذه الثقافة من المحلية إلى العالمية،باعتبار أن الرواية الجزائرية أصبحت نافذة مهمة بفضل العديد من الأسماء الجزائرية اللامعة ليست على المستوى المحلي وحسب بل في سماء العالمية،وخير دليل على ذلك جائزة "كتارا" للرواية العربية التي تحصل عليها المبدع "عزالدين جلاوجي ". وفي اختتام الملتقى شهد تلاوة مجموعة من التوصيات من بينها،انشغال الكاتب الروائي على المشترك الإنساني عبر فرض محلية فتح باب الكتابة الأدبية في مجملها على العالم،والعودة إلى الذات في علاقتها بالتاريخ والهوية والتراث من خلال الكتابة الروائية التي تمثل معرفة جديدة تقدم مفاهيم تتقارب بينها المسافات والجغرافيا،كما اقتربت المداخلات العلمية في الملتقى من التمثل البحثي لظاهرة التفسير المعرفي بين المحلي والعالمي بأشكاله المختلفة ، إضافة الى الدعوة لترسيم الملتقى بطبعات سنوية،وأن تحمل كل طبعة اسم علم من أعلام الكتابة السردية الجزائرية وطبع أعمال الملتقى في مؤلف علمي .