التراب يحيط بهم من كل جانب، الحياة تتوقف عند نزول الأمطار بغزارة، والجميع يعيشون حياة البؤس والشقاء في ظل الوعود الزائفة لمسؤولي البلدية المتعاقبين؛ فلا سكن ولا عمل مع انعدام كلي للمحلات التجارية والقطاع الصحي، يضاف إلى ذلك الطريق الترابي على طول حوالي 3 كلم، مع نقص فادح في تغطية الهاتف النقال. طريق مهترئ والسكان يستعينون بالدواب لجلب الماء صورة لم أكن أعتقد أن أجدها يوما في بلدية جليدة، خاصة في ظل تغنّي المسؤولين المحليين بالتنمية الريفية! لكن اعتقادي تغيّر عندما التقيت بشاب في 20 من عمره اسمه «ناصر» رفقة أحد جيرانه، فبينما كانت «السلام» تقوم بجولة في بلدية جليدة بعين الدفلى، إذ بهذا الأخير يلح علينا للتنقل معه ومعايشة ولو جزءا بسيطا من يوميات سكان دوار «أولاد قادة» جنوب غرب جليدة بعين الدفلى. ونحن في طريقنا إلى هناك لم نجد غير «كلوندستان» لينقلنا بمبلغ 600 دج إلى هذه المنطقة، فحافلات نقل المسافرين تصل إلى حوالي 10 كلم فقط من الطريق، لتبقى مسافة أكثر من 4 كلم يكملها السكان والتلاميذ مشيا على الأقدام، وتبدأ رحلة إلى المجهول في طريق ترابي طوله كيلومترات لا يصلح حتى للمشي على الأرجل، فبينما نحن في السيارة إذا بها ترتطم بالأرض، ما جعلنا نتنقل بقية المسافة مشيا على الأقدام، ليؤكد مرافقانا أن لا مجال للخروج من المنازل في معظم فصل الشتاء إلا للضرورة القصوى على ظهر جرار أحد السكان خدمهم لعقود، مع التنقل يوميا لأكثر من 2 كلم على ظهور الحيوانات لجلب الماء الشروب، وتسجيل انعدام كليٍّ لفرص العمل رغم الملفات العديدة للحصول على مشاريع التنمية الريفية والفلاحية، لكن «لا حياة لمن تنادي!». السكن الريفي ومضخات الآبار أهم مطالب السكان... التلاميذ يضطرون للتوجه إلى عين الدفلى مركز للدراسة بسبب كل هذه المشاكل، ومعها انعدام الداخليات بمركز البلدية. وفي إطار الحديث عن الحلول أكد السكان أنهم يضعون توفير السكن الريفي في أول المطالب، فالعواصف الثلجية الأخيرة تسببت في سقوط بيت أحد السكان، لتنجو عائلته بأعجوبة، ويجد صاحب الأسرة نفسه مضطرا لبناء آخر بنفس المادة بالقرب منه في ظل غياب كلي للمسؤولين. وطالب السكان بتوفير المضخات المائية للآبار المحفورة، ومعها فسائل الشجيرات، مؤكدين رغبتهم الملحة في استغلال أرض تدرّ خيرات وفيرة رغم الاعتماد الكلي على مياه الأمطار فقط، كما أن تربية الأبقار والأغنام وحتى النحل تبقى حلما يراود السكان منذ مدة. ما أدهشنا أنه على خلاف ذلك يعيش أهالي منطقة «مقطوعة» مثلا، التابعة لبلدية برج الأمير خالد، التي رغم أنه لا يفصلها عن دوار «أولاد قادة» غير طريق عمومي، لكن لها وجها مغايرا تماما؛ حيث عرفت هذه الأخيرة نموا ملحوظا في توزيع السكنات الريفية والدعم اللازم، ولم تبق إلا بعض الرتوشات لتصبح منطقة ريفية متكاملة. وأكد السكان الذين التقتهم «السلام»، أن المشاكل نفسها يعيشها سكان «حلاليب» و»خداوي» وحتى «السراحنة» بذات المنطقة، كما أن 7 كلم من الطريق الرابط بين مقر بلدية جليدة وقريتي «واغناي» و»أولاد سبدو»، تعرف تدهورا كبيرا أتعب أصحاب المركبات الذين أصبحوا يزورون الميكانيكيين بشكل دوري لإصلاح الأعطاب المتكررة، مع نقص فادح في نقل المسافرين، إضافة إلى إشكالي السكن الريفي، الذي لايزال السكان ينتظرونه بفارغ الصبر، والحنفيات العمومية التي لم تُحل بعد مشكل الماء الشروب.