يعتمد أخصائيو علم النفس في تشخيص الحالات التي تعاني من تردد في اتخاذ القرارات وضعف في الشخصية على جملة من الأسئلة التي يتم بمقتضاها تحليل سيكولوجية الفرد وتحديد إن كان فعلا يعاني من ضعف في الشخصية، إما أنها مجرد نوع من الطيبة المفرطة التي تجعله محط استغلال الآخرين أو حتى درجة من الولاء والطاعة لمن يقدرهم، ليبقى ضعف الشخصية خللا نفسيا يجعل الفرد لا يستقل بذاته. ضعف شخصية الرجل شبح يطارد الزوجة ومن الخصوصيات التي تكون بادية على الفرد الضعيف الشخصية هو عدم إبداء آرائه في شتى المواضيع، ويحاول دوما أن يتناسق رأيه مع آخرين، كما لا يستطيع اتخاذ القرارات حتى لو كانت تتعلق بشؤونه الخاصة دون أن يأخذ برأي بعض من يميل إليهم، حيث يوجد الكثير من الحالات لأفراد لم تفسر حالة تبعيتهم للآخرين سوى بضعف الشخصية، ومنهم "رابح" صاحب ال 39 سنة، رغم أنه تزوج منذ أزيد من 10 سنوات، إلا أنه لازال تابعا لوالدته بصورة أصبحت تثير إزعاج زوجته التي تشتكي سلوكات زوجها، وتقول أنها لا تناسب سنه: "هو لا يفعل شيئا دون أن يأخذ إذن والدته، فلو خرج للعمل استأذنها، وإذا أراد أن يشتري ملابس فلا يفعل إلا إذا أعطته الضوء الأخضر، وكثير من أمور الحياة البسيطة التي جعلتني أتأكد أن زوجي حالة نادرة وهو ضعيف الشخصية أمام والدته، ما جعلني أخشى أن تطلب منه يوما أن يطلقني فيفعل ذلك بسرور". وإذا كانت الحالة الأولى لرجل تابع لوالدته ما قد يظنه البعض حالة طبيعية، إلا أن الكثيرين لا يرفضون للجميع طلبا ما انعكس سلبا على حياتهم، ومنهم "سليم" شاب في الثلاثينيات من العمر، كان يظن أن الزواج سيغيره، إلا أنه لم يستطع الاستقلال بحياته، فهو لايزال تابع لجماعة من أصدقائه الذين تقول عنهم زوجته "إنهم لا يريدون منه إلا المال، وهو لا يتردد في منحهم إياه ولو حرمنا من الأكل، فالمهم بالنسبة له أن لا يخسر جماعة أصدقائه"، حالات غريبة أخرى كان أبطالها رجال لا يستطيعون قول كلمة "لا"ح تى وإن كان ذلك مضرا لهم، وهي حال "عبد القادر" 45 سنة، فرغم أنه في كامل نضجه العقلي، إلا أنه لا يستطيع رد أحد من أقاربه على حد تعبير زوجته التي تقول أنها ضاقت ذرعا منه، تروي عن حالة زوجها: "صدقوا أن زوجي يقرض كل ماله لمن يطلبه من أقاربه، وبالكاد يترك ما يكفينا بقية الشهر، وإذا انتقدته على سلوكه، يصارحني أنه لا يستطيع قول كلمة لا لأقاربه، وأنني أريد أن أقطع صلته بهم، ولكن ما يثير غيظي أنه رفض أن يثبّت زواجنا مدنيا لا لشيء سوى أن أصدقاءه حذروه من ذلك". وفي تفسير تلك الحالات السابقة، تقول "أم إكرام" أخصائية في علم النفس، أن هناك بعض الشخصيات التي تحاول في كل مرة أن تظهر أمام الناس أنها شخصية ودودة، حنونة وهي في خدمة الجميع، فتجدهم لا يرفضون طلبا للبعض أو للكل، وإن كان ذلك ينعكس على حياتهم سلبا، كما لا يستطيعون التعبير عما يختلج في صدورهم خوفا من انتقادات الآخرين، وهو عكس ما نجده عند الأفراد ممن يقال أن لهم شخصية قوية. ليست كل حالات الرضوخ عبارة عن ضعف شخصية وحسب ما أشارت إليه ذات المتحدثة، فإنه ليس كل الحالات تنم عن ضعف في شخصية الفرد، لأن هناك فئات من الناس لا ترد طلبات الآخرين استحياء وخجلا من أن يقال أنه رفض المساعدة، ولكن سرعان ما يتدارك الأمر حسب المواقف. ولأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، يجمع أغلب من تحدثنا إليهم أنه في حال قام الفرد برفض طلبات الغير، فذلك سيؤدي به ليكون فردا منعزلا اجتماعيا، والجميع يقول أنه إنسان سيء لا يساعد غيره، وفي حال قام بخدمتهم صاروا يقولون أنه غبي وضعيف الشخصية، وهو ما حدث مع "نجيب"، إطار في الدولة، والذي يؤكد أنه لم يرد أحدا من أصدقائه وأهله يوما، ويحرص أن يخدمهم لدرجة أنه لم يرفض طلبا لأحدهم، ولكن الطلبات زادت "وبلغ السيل الزبى" على حد تعبيره لدرجة أنها أصبحت تهدد منصبه في العمل، يقول: "لما رفضت بعض الخدمات، صاروا لا يتصلون بي، كما كانوا من قبل، بل وأن منهم من أصبح يتظاهر أنه لم يرني كلما التقينا في الطريق"، وعن أفضل طريقة يمكنه انتهاجها لتفادي تلك المواقف الحرجة، تقول الأخصائية النفسانية أن الفرد عليه أن يكون وسطيا في تعاملاته، ويتعلم كيف يرفض طلبات الغير التي لا يمكنه تلبيتها بأسلوب دبلوماسي على حد تعبير المتحدثة التي تنصح قائلة: "إذا أردت أن لا تخسر أحدا من أصدقائك أو معارفك فتعلم كيف ترفض طلباته غير المعقولة بأسلوب مهذب، فلا ترفض الخدمة مباشرة، وأنت تكشر في وجهه، بل حاول دوما أن ترفع الحرج من خلال تقديم العذر المنطقي الذي جعلك لا تستطيع تلبية رغباته، وحاول أن تقول ذلك بكل لطف وأنت تعرض مساعدة في جانب آخر". هناك العديد من المسائل والمواقف التي يجب أن يرفض فيها الإنسان طلبات الآخرين لاسيما إذا عرف أنه يضر آخرين أو يفعل ما يغضب الله أو يسيء للصالح العام، أو أن تلبية ذلك الطلب فيه تجاوز للقوانين، وإهدار لحقوق الغير، وبالتالي يكون الرفض في المكان المناسب وبالأسلوب المناسب أنسب الحلول في مثل المواقف السابقة. ضعف الشخصية درجات وقد يصل إلى عدم تقدير الذات أوضحت "أم إكرام" في حديثها عن الموضوع، أن ضعف الشخصية درجات إلى أن يصل إلى أخطر مرحلة يصبح فيها الفرد لا يملك قرار نفسه ويترك مسألة تحديد مستقبله في أمور مصيرية للآخرين، بل وأن من الحالات من لا يستطيعون التلفظ بكلمة "لا أريد، أو أنا أرفض الأمر"، فتجدهم يحاولون دوما أن يتبعوا رأي الآخرين حتى يسترضونهم، ولكنهم بالمقابل يتمزقون قهرا ويريدون الصراخ بأعلى صوتهم، ومن الحالات التي تحدثت عنها الأخصائية حالة شابة في العشرينيات من العمر، توفي والديها فتولت خالتها عملية تربيتها، فكانت تتحكم فيها لدرجة غير معقولة، إلى أن صارت شابة في سن الزواج، هنا قررت الخالة أن تزوجها بكهل يكبرها بأكثر من عشرين سنة، ولكن ما يثير الحيرة أن الشابة تعودت أن لا ترفض لخالتها طلبا، ورغم أنها كانت تحلم بفارس أحلام في سنها، إلا أنها رضخت لإرادة خالتها دون أن تبدي أي ردة فعل أو تقول: "لا أريد الزواج بفلان"،والتفسير السيكولوجي الذي يمكن تقديمه عن هذه الحالة حسب ما أفادت به أخصائية علم النفس التي تفصل قائلة: "هناك الكثير من الناس تسرق منهم شخصيتهم من طرف أناس قريبين منهم، فتجدهم لا يرفضون لهم طلبا، ليس رغبة منهم في ذلك، بل لأنهم يشعرون بدرجة كبيرة من التقدير والامتنان لذلك الفرد فيضطرون إلى تلبية كل ما يأمر به ولو كان ذلك على حساب رغبتهم وسعادتهم، وذلك الإتباع والطاعة ما هو في نظر هؤلاء سوى نوع من أنواع رد الجميل". على الفرد أن يعرف متى وكيف يرفض طلبات الآخرين "على الفرد أن يتعلم متى وكيف يقول كلمة "لا" للآخرين، وإن غيّر ذلك من نظرتهم تجاهه"، كانت هذه أهم نصيحة قدمتها الأخصائية النفسانية التي تضيف: "قد يقال عنك أنك إنسان أناني، ولا تحب إلا نفسك، لكن ذلك يبقى أفضل من أن تكون خاضعا لغيرك ولا تشعر بالاستقلالية النفسية، ما قد يجعلك في خلوتك تلوم نفسك وقد يتطور الأمر إلى ما يعرف في علم النفس باحتقار وعدم تقدير الذات".إن أهم شيء يجب أن يعرفه كل واحد أن رفض طلب ما في حال كان يضر بنفسه إذا ما قام بتلبيته لا يعني أنه شخص سيء، ولا يقدم الإعانة للآخرين فالرفض هو أيضا جانب من جوانب أخذ القرارات المناسبة بناء على حديث المختصة التي تضيف لكل من يعاني ضعفا في الشخصية قائلة: "من غير المعقول أن نكون دوما في خدمة الناس وننسى أنفسنا وأهلنا، خاصة إذا كان ذلك مع أناس لا يبدون اهتماما بنا إلا تحقيقا لمصالحهم، لأن بعض الناس سامحهم الله يريدون استغلال طيبة آخرين، وفي حال رفضنا ذلك نكون قد أسسنا لبداية شخصية قوية من جهة، وعلمنا الآخرين كيف يعتمدون على أنفسهم من جهة أخرى، فجميل أن تكون طيبا متسامحا وكريما، ولكن لا تكن ممن يشار إليهم بالأصابع أنهم ممن لا يمتلكون شخصية".