تضمنت مجموعة "دموع الجمل"، التي صدرت مؤخرا عن منشورات اتحاد الكتاب العرب والمقدمة في 128 صفحة من القطع الصغير، قصائد شعرية فيها كثير من الرؤى المحملة بذكريات الماضي وعبق التاريخ والصحراء والبادية، لتكون نموذجا أمام مجتمعاتنا المعاصرة أراد الشاعر من خلالها إسقاط كثير من الحالات الاجتماعية وحركاتها على كائن حي واحد هو "الجمل" الذي يحمل صفات قد ترفع من شأن الإنسان إذا اعتنق بعضها. ويبحث الشاعر عن مواضيع تتوافق في خياله مع القصيدة التي كانت محور المجموعة وموضوع العنوان ليتمكن من تحقيق التوازن الموضوعي في تسلسل مجموعته الفكري، فتتجلى الصحراء والوحشة وقد تطلع المدن الجميلة من بين الحروف فتنبعث بغداد بشكل عفوي عندما يتكلم عن الصحراء والجفاف لتكون أملا أخضر يحول الجفاف والقيظ إلى خمائل ونخيل وبلابل، فدائما يحاول أن يحول الوحش إلى محبة ويجعل من التعاسة أشياء تلائم الفرح وتواكبه. وتبدو دمشق بين قصائده أحب وأعز من مدن العالم والدنيا فتسمو عنده على كل شيء ويتفتح حبها في أعماقه ليجعل منها الإخضرار والجمال والضوء والرغيف، مؤديا حالته العاطفية على ورقته بشكل يثبت مدى محبته لبلده ففي قصيدة دمشق يقول: "فرمان، لدي هنا كسرة من رغيف، وماء شفيف، وحقل به ألف ظل وريف، فماذا تبقى إذا غير عينيك، كي ما تكون". وتتنوع المواضيع في قصائد المجموعة إضافة إلى حب المدن وأثر البيئة على قريحته الشعرية وعباراته المكونة من مفردات ترتكز على ثقافة متنوعة، تدل في أغلب الأحيان على انعكاس صدى حركة المجتمع ضمن القصيدة بشكل منطقي، حيث توجعه الحالات الاجتماعية التي تعتري الإنسان وتقف في وجه سعادته أو تحول شخصيته إلى مكون حالم لا يمتلك إلا الأمل والحزن. ويتضمن الكتاب حالات شعرية ترتكز على واقع فلسفي تعتمد مفرداته على أشياء الطبيعة ومدى انعكاس كينونتها في شخصية الإنسان المركبة من الحزن والفرح والخوف والأمان، وتذهب الكلمات في مداها البعيد وتسقط في مرمى الإنسان لتساهم في بنائه وتوضح من تداعيات نفسه المعرضة لكل أنواع الألم. ويتنوع الحب في قصائد الشاعر فيأخذ أبعادا واتجاهات مختلفة تلتقي في النهاية حول محور الذات الإنسانية الحالمة والعاشقة، فالوطن له مكانة سامية مقرونة بالقلب والصبر من أجل التذكير بمكانتها العظيمة والتاريخية، والمرأة تدخل في أشعاره بطريقة شبه حذرة ليكتمل الحب حسب فلسفته ورؤيته لنتائج كل الحالات المترتبة والموجودة خلال الحركات الاجتماعية الإنسانية. ويعتمد الشاعر على الومضة الشعرية التي تترك أثرا أخاذا كأثر البرق على الطبيعة الجميلة محاولاً الاتكاء على إيقاع داخلي في التعاطي مع العبارة الشعرية لأن التفعيلة منسحبة في أكثر الأحيان ليكون النص نثريا إلى حد ما مع تسرب النغمة الموسيقية إلى بعض القصائد.