زاد عدد الصينيين المقيمين في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، لكن ما يثير الانتباه أن كثيرا من هؤلاء الأفراد وعلى الرغم من اختلاف لغتهم وثقافتهم واعتناقهم ديانة مغايرة، إلا أنهم تمكّنوا من الاندماج عاديا وبسرعة مع المجتمع الجزائري، والتكيف مع لغة الأخير واللهجات المنتشرة وما يتصل به من عادات، دون أي صعوبة تذكر، ما ساعدهم على تكوين علاقات جيدة في محيطهم، في الوقت الذي يرجع البعض ذلك إلى سرعة الاستيعاب عند الجنس الأصفر. تمكّن الكثير من الصينيين العاملين بالجزائر من فرض وجودهم وإبراز قدراتهم في أداء كثير من المهن بطريقة يشهد لها الجميع، مستغلين مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية في عدة مجالات كالبناء، التجارة وحتى الصناعات التقليدية ما ساهم في انتشار منتوجاتهم التي عرفت رواجا كبيرا في السوق المحلية. وانتقلنا إلى شارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة للتعرف على المنتجات المشهورة في محلات الصينيين، والتي جذبت إليها العديد من الزبائن الذين يترددون بشكل كبير على تلك المحلات. وخلال جولتنا بها لفت انتباهنا حديث إحدى الصينيات باللهجة الجزائرية، ما دفعنا للاقتراب منها، إنها "سمارة " صاحبة المحل التي أكدت إتقانها اللهجة العاصمية جيدا، وقد تعلمتها من خلال احتكاكها مع الزبائن، ما جعلها تكسب عددا كبيرا منهم. كما كشفت سمارة خلال حديثها مع "السلام" أنها فتحت هذا المحل ليكون مصدر رزق لها ومن أهم أهدافها هو التعريف بالموروث الثقافي لبلدها من خلال ما تعرضه من منتجات صينية الصنع. وحرصت "سمارة" على توظيف اليد العاملة المحلية، حيث يضم محلها شابات استحسنّ كثيرا العمل معها وقد أعجبن كبقية الزبائن بتلك المراوح الصينية وحتى الأزياء التقليدية المصنوعة من الحرير الأصلي، وذكرت محدثتنا أنها تعمل على استيراد المادة الخام الأصلية المتمثلة في الحرير من بلادها، لتصنع مختلف المنتوجات بمشغلها الصغير بالجزائر مع صديقاتها الجزائريات اللواتي تعرفت عليهن بالقرب من البيت الذي تقطن به رفقة أطفالها، وعن علاقتها بهن فتؤكد أنها جيدة جدا، حيث تعلمت منهن طريقة الحديث وحتى تحضير معظم الأطباق الجزائرية التقليدية. بائعة صينية أخرى وجدناها تتناول طبق الحيوانات البحرية المفضل لديها، استقبلتنا بوجه بشوش لتدعونا لشراء بعض منتجاتها من الستائر والأفرشة المطرّزة بأشكال وألوان تجذب الزبون إليها بمجرد دخوله إلى المحل الذي تعرض به عددا من الأزياء الجزائرية التقليدية، والتي أكدت لنا أنها صنعتها بنفسها. علاقة زواج ناجحة بين الجزائريين والصينيين "سونج يانج" هو أحد العاملين الصينيين الذين التقينا بهم بأحد ورشات العمل، وهو يتقن الكثير من كلمات اللهجة الجزائرية، إضافة إلى اللغة العربية الفصحى، وقد أخبرنا أنه ارتبط بإحدى الفتيات الجزائريات، مؤكدا أنه لم يجد أي صعوبة في الزواج منها، وبرضى أهلها بعدما أشهر إسلامه وهو الآن يؤدي ما عليه من فرائض من صلاة وزكاة بل ويحفظ القرآن. وعن علاقتهما، يضيف أنها مبنية على التفاهم وقد سبق لزوجته السفر معه إلى الصين وتعرفت على عائلته، كما أعجبت هي الأخرى بعاداتهم. وأصبح بعض الشباب الجزائريين يفضلون الارتباط بالنساء الصينيات، نظرا لامتلاكهنّ لمميزات خاصة جذبت إليهنّ الأنظار، ودفعتهم لبناء علاقة زوجية ناجحة بالرغم من اختلاف العادات والتقاليد وحتى الثقافة بين البلدين. "كريم" من بين الشباب الذين كانت لهم تجربة ناجحة في زواجهم مع الصينيات، وخلال حديثه معنا أكد أن زوجته نالت إعجابه بصفاتها الحميدة المبنية على الاحترام، بعدما جمعتهما علاقة عمل بإحدى الشركات، ليشاء القدر أن تنتهي بعلاقة زواج ناجحة حسب قوله، ويضيف أنه لم تواجهها أي صعوبات في تقبّل العادات والأعراف السائدة في المجتمع بعدما أسلمت. وعلى حد قول "كريم"، فإنّ زوجته الصينية أحبّت التعاليم الإسلامية كثيرا، كما أنها تحرص على تأدية جميع فرائضها، إضافة لأنها تحترمه وتطيع أوامره وقد تعلمت بسرعة تحضير جميع الأطباق الجزائرية، وهي تعمل على الحفاظ على نظام بيتها وتتقن جميع أعمالها المنزلية والمهنية. وجبات غريبة لكنها مفضلة لدى الصينيين أردنا التعرف على الوجبات الخاصة لدى الصينيين والتي يراها الكثيرون غريبة وتثير الاشمئزاز، ولكنها غذاء رئيسي للصينيين وأهمها الحشرات بمختلف الأنواع، وهو ما أكده لنا أحد عاملي البناء بالعمارات السكنية والذي قرر أن يحدثنا باللغة العربية التي تعلمها بأحد المراكز الثقافية، بحكم طبيعة عمله التي تتطلب التعامل مع موظفين جزائريين. وأضاف العامل المذكور في السياق ذاته، أنه رفقة مواطنيه تعودوا على تناول تلك الأكلات في وطنهم، إضافة إلى أنّ معظم أطباقهم التقليدية تعتمد بشكل كبير على الأسماك والأرز ومن بينها طبق "السوشي" الذي يعتبر من الأطباق الرئيسية لديهم، وقد ربط محدثنا نسبة الذكاء عند الصينين بتلك الأكلات البحرية. جزائريون تأثروا بالجالية الصينية وتعلموا لغتهم تأثر بعض الجزائريين بالجالية الصينية المتواجدة بشكل كبير من خلال الارتباط بهم عن طريق الزواج أو زيارة بعض المطاعم الصينية لتذوق الأطباق الشعبية، ومنهم من يحرصون على تعلم اللغة الصينية. وهو ما أكده لنا مدير أحد المراكز الثقافية بشارع ديدوش مراد، حيث قال أن بعض الشباب يسجلون بهذه المركز لتعلّم اللغة الصينية، خاصة المسافرين لهذا البلد حتى لا يجدوا صعوبة في التعامل مع الناس هناك، وعلى العكس أشار مدير المركز إلى أنّ هناك بعض الصينيين يقصدون المركز لتعلم اللغة العربية، وقد شهد خلال حديثه أنهم سريعو البداهة ولهم قدرة كبيرة على التعلم سريعا. "سليمان" هو أحد أصحاب المطاعم الصينية المتواجدة بدالي ابراهيم، حيث استفاد من خبرة أحد الصينيين خلال فترة تواجده بالجزائر لينجز مطعما خاصا بالأكلات الصينية، ويشعر الزائر لهذا المحل أنه سافر فعلا إلى الصين، خاصة أنه حرص على جلب الأغاني الشعبية الصينية ومختلف أدوات الطعام المتمثلة أساسا في خشبتين. وأضاف سليمان أنّ أغلب زبائنه هم من العاملين الجزائريين، مؤكدا أنّ بعض العائلات تهوى تذوق وتجريب الأكلات الصينية، وقد أعجبهم كثيرا طبق "السوشي" المحضر من سمك السلمون والأرز. صينيات يجدن صناعة الحرف التقليدية المحلية تُعرف الصينيات بذكائهنّ وامتلاكهنّ لقدرات إبداعية تميزهم عن غيرهم، إضافة إلى اتقانهنّ للفنون القتالية المختلفة وسرعة تعلمهنّ وتقليدهنّ للأشياء التي يلاحظنها، وهو ما حدثتنا عنه "سامانتا" وهي إحدى العاملات الصينيات والتي أكدت أن من عادات العائلات الصينية تعليم أبنائها وبناتها لتلك الفنون القتالية منذ الصغر، لمساعدتهم على الدفاع عن أنفسهم وحمايتهم من الاعتداءات ولتعزيز الثقة بالنفس لديهم. كما تضيف سامانتا أنها تمتلك قدرة على تقليد الحرف التقليدية الجزائرية وحتى الأزياء والحلويات بعدما تعلمتها بشكل سريع من صديقتها لتبيعها بعد ذلك، وحسب قولها فإن زبائنها لم يصدقوا أنها من صنعتها. قدرات أخرى امتلكتها إحدى العاملات الصينيات بعد أن أبرزت مهاراتها وقدراتها في تقليد بعض الصناعات التقليدية المحلية بشكل ملفت للانتباه، وقد أخبرتنا "سان يان" أنها حرصت على تعّلم تلك الحرف بعد زيارتها لمدينة تيزي وزو أين اكتسبت خبرة في صناعة الأواني الفخارية وحتى الحلي الفضية من القرويات لتبيعها في محلها، وهي تلقى رواجا كبيرا بعدما نالت إعجاب زبائنها، خاصة أنها قد طورتها بحيث أدخلت عليها بعض الرتوشات الصينية، كما تصنع صناديق منقوشة تستخدم للتزيين. مستثمرون يفضلون اليد العاملة الصينية لتميّزها يتميز الصينيون بصفات خاصة، إذ ينفردون بحبهم الشديد لعملهم وإتقانهم لمهنتهم وسرعتهم في إنجاز أشغالهم جذبت إليهم الشركات التي أصبحت تستشيرهم في أعمالها، وتعتمد عليهم في إنجاز مشاريعها، وهو ما أكده لنا معظم الموظفين الجزائريين المتعاملين مع العمال الصينيين، حيث أشاد الجزائريون بمؤهلات وخصال اليد العاملة الصينية وامتلاكها قدرات تؤهل الصينيين للظفر بوظائف عديدة، ما جعل العديد منهم يعتمدون عليها في إكمال مشاريعهم السكنية أو حتى أشغال أخرى. وخلال استطلاع قمنا به، أجمع جلّ من تحدثنا إليهم أنّ أكثر ما ينال إعجابهم في الصينيين هو سرعة إنجازهم لعملهم وإتقانهم له والالتزام بمواعيد التسليم، وهو ما أكده بعض من سبق لهم التعامل مع شركات البناء منهم "مليكة" مهندسة ومسؤولة على أحد المشاريع السكنية. وأكدت مليكة أنها اعتمدت على بعض العمال الصينيين في إكمال مشروعها، بعدما عجز بعض العاملين عن إنجازه في الوقت المناسب، وتضيف أنهم يحترمون أوقات عملهم ويتقنون مهنتهم، وهو ما دفعها للاعتماد عليهم.