من فضائل هذه الأمة أن جعل الله - تعالى - لها مواسم للطاعات والأعمال الصالحات، ليتفضل عليهم بالرحمة والغفران والعتق من النيران، ومن هذه المواسم شهر رمضان، ومن أعظم فضائل شهر رمضان اشتماله على ليلة القدر التي باركها الله وشرفها على غيرها من الليالي. ليلة القدر خير من ألف شهر في الخيرات والأجور. عملٌ صالح في ليلة القدر خير من عَمِل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وما أدركها داع إلا وظفر بتعجيل الإجابة، ولا سأل فيها سائل إلا أعطاه سؤاله وأثابه، ولا استجاره فيها مستجير إلا أجاره الله وكفاه، ولا أناب إليه فيها منيب إلا قبله واجتباه، ولا تعرض لمعروفه طالب إلا جاد عليه وحباه. قال سفيان الثوري - رحمه الله -: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق"، وقال ابن رجب رحمه الله: "ومراده - أي سفيان - أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمرُّ بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة، والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم، وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها، وقال الشافعي في القديم: "أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها". وما سميت بليلة القدر إلا لأنها ذات قدر وشرف عظيم، ولو لم يكن لها من القدر إلا أن الله أنزل فيها القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، لكفى تعظيماً وشرفاً، وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم، ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة، والذكر، والدعاء، فيزدادوا قربة من الله وثواباً، واختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها، حريصاً عليها، ممن كان ممن كسلان متهاوناً. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم مقدار خيريتها كما صح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني