بعد الحديث عن الربيع العربي والتلويح به على كل المنابر، تأبى الساحة السياسية إلا أن تكون ملونة بطيف التيار الوطني، منذرة بعد ذلك بخريف إسلامي يهدد كيان الأحزاب المحسوبة على التيار الديني في الجزائر. فبعد التكهنات والآمال القوية التي علقت على إمكانية صحوة الأحزاب الإسلامية واستعادة حماسها بعد صدمة التشريعيات الأخيرة، هاهو اكتساح الأحزاب الوطنية لمحليات ال 29 نوفمبر، يرمي بها من جديد في أحضان مواجهة واقعها الجديد الذي تأبى هضمه. وجسدت نتائج المحليات الأخيرة انتكاسة جديدة للأحزاب الإسلامية بعد تشريعيات ماي الأخيرة، التي أجهضت تداعياتها آمال الإسلاميين في استقطاب رياح الربيع العربي نحو الجزائر، الأمر الذي كبح جماح قادة هذا التيار وأتباعهم وجرهم نحو خمول كرس معالم تراجع شعبيتهم، الواقع الذي عكفوا دائما على تعليق أسبابه على مشجب السلطة بمختلف أنواع الإتهامات على غرار التزوير، ونفخ أحزاب موالية للنظام، للوقوف في وجهها، حيث تراجع ممثلو التيار الإسلامي ممن قبلوا المشاركة في المحليات وهم "تكتل الجزائر الخضراء" الذي يضم كل من "حركة مجتمع السلم"، "حركة النهضة" و"حركة الإصلاح الوطني" كما لم يحدث لهم من قبل، فعجزوا عن تحقيق النتائج المرضية التي حصلها نظراؤهم في دول الجوار، بعدما جزموا في تصريحات أعقبت أحداث الربيع العربي أنهم سيحققون انتصارات تفوق تلك التي حققها التيار الإسلامي في تونس، مصر والمغرب وبدرجة أقل في ليبيا، فلم تحصل أحزاب التكتل مجتمعة في هذا الاستحقاق إلا على 30 بلدية من بينها 5 بلديات تحصل فيها التكتل على الأغلبية المطلقة مقابل 291 بلدية تحصل فيها حزبا السلطة على الغالبية المطلقة "جبهة التحرير 159 بلدية" و"التجمع الوطني الديمقراطي 132 بلدية". وفي السياق ذاته كرس عجز علي بلحاج أحد الأعضاء السابقين "للفيس" والممنوع حاليا من مزاولة أي نشاط سياسي، عن استقطاب متعاطفين جدد معه أو استعادة وجمع جمهوره وحشده الذي طالما التف حوله عند أول إشارة منه، واقع يقول أن التيار الإسلامي في الجزائر بات خارج اهتمامات الشارع المحلي، وهو ما تأقلمت معه أحزاب إسلامية أخرى انسحبت من المعركة السياسية مؤخرا على غرار جبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وكذا جبهة التغيير بزعامة عبد المجيد مناصرة. هذا دون إغفال سلسلة الانشقاقات التي قسمت ظهر عدد من أحزاب التيار الإسلامي، بحيث خرجت من عباءة حركة مجتمع السلم، جبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة التي خرجت منها حركة البناء الوطني بقيادة بومهدي، دون حساب حزب عمار غول ''تاج''، الذي إنسلخ عن ملة "حمس"، وولدت حركة الإصلاح الوطني من رحم حركة النهضة بعد الخلاف حول رئاسيات 99، وجاءت الجبهة الجديدة لعبد الله جاب الله ''العدالة والتنمية'' لتستقطب أنصارها من النهضة والإصلاح، وخرج جمال بن عبد السلام من حركة الإصلاح التي تسلمها حملاوي عكوشي، ليؤسس ''جبهة الجزائرالجديدة''.