مع كل اقتراب لتاريخ 8 مارس تفتح العديد من النقاشات التي تتمحور في جلها حول الأدوار التي لعبتها المرأة في بناء وتشييد البلاد، على اعتبار أن هذا اليوم عيد بالنسبة لها بحسب نظرة العديد من الأفراد داخل المجتمع، لكن هل يمكن للمجتمع الجزائري المسلم أن يكتفي بمجرد تخصيص يوم من كل سنة للمرأة الجزائرية، التي ما فتئت يوما تساعد نصفها الثاني في تجاوز مختلف المشاكل الحياتية، لذا سنحاول من خلال موضوعنا هذا إبراز أهم المحطات التي مرت بها البلاد ولعبت فيها المرأة الجزائرية دورا مهما لا يمكن تجاهله . كان للمرأة الجزائرية دائما الفضل مناصفة مع أخيها الرجل في الظفر بتحقيق الكثير من النجاحات، وفي مقدمتها تمكن الجزائر من افتكاك استقلالها، فكل من جميلة بوحيرد، مريم بوعتورة، مليكة قايد، حسيبة بن بوعلي وغيرهن ممن كانت التضحية في سبيل هذا الوطن مالا وولدا شعارهن، رسمن وكتبن أسماءهن بحبر من ذهب بصمودهن وكفاحهن المستمر وان كان ذلك على حساب حياتهن. فهي كانت السند والمعين وقت الشدائد بغض النظر عما تطلبه ذلك منها، خاصة في مرحلة الذود عن البلاد، بحيث كانت إلى جانب أخيها الرجل بكل ما أوتيت من قوة وصبر، لذا عكفت على تربية أبنائها وتقمص دور الأب في ظل غيابه نتيجة تلبيته لنداء الوطن، وقد تمكنت من تحقيق ذلك على الرغم من تلك الظروف التي كانت تتسم آنذاك بالتأزم والصعوبة، فعملت في منازل الكولون وفي الأراضي التي كانت تابعة للمستعمر، متحملة بذلك كل أشكال الذل والتحقير من اجل أن تنال قوت يومها وتوصل أخبار المحتل في كثير من الأحيان إلى المجاهدين. أما في العمل الثوري فقد حملت المشعل عنه في كثير من الأحيان، على غرار “لالة فاطمة نسومر”، بالإضافة إلى أنها كانت تقوم بمساعدة رفيقها في الكفاح من خلال قيامها بجملة من الأعمال على غرار التمريض، الطبخ، العناية بالمجاهدين وحتى حمل السلاح دون إعطاء اعتبار لآي مانع، لأن حب الوطن وتلبية الواجب اتجاهه ليس حكرا على جنس دون أخر، فكانت الشهيدة، المجاهدة، الفدائية والمسبلة، حتى أصبح لدى العدو إدراك كامل بأن خطر التعرض لهجوم أو كمين لن يكون منبعه الرجل فحسب وإنما المرأة كذلك، التي قامت بتنفيذ عدة عمليات ضد مراكز المستعمر، كتلك التي عمد هذا الأخير إلى ملاحقتها والتضييق عليها من خلال قيامه بتخصيص سجون يتم استنطاقها وتعذيبها فيها بكل وحشية دون لين أو هوادة، إلا أنها لم تنصع ولم تلن بل كانت كالنخلة الشامخة تميل مع مهب الريح ولا تنكسر. أما فيما يتعلق بالجانب السياسي فقد كانت السيف المخفي الذي ضربت به هيبة فرنسا آنذاك، من خلال دخولها في العديد من التنظيمات وتأسيسها لبعض الجمعيات النسوية على غرار “جمعية النساء المسلمات الجزائريات” في تلك الحقبة، والتي حاولت من خلالها توعية قريناتها سياسيا بأن الجزائر في حاجة لتظافر كل الجهود من اجل طرد الاستعمار الفرنسي من أراضينا، فكانت بذلك على قدر المسؤولية التي ألقيت على عاتقها من قبل الرجل بكل جدارة، دون أن تكون عبئا عليه بل سندا وعونا بكل ماتحمله الكلمة من معنى. حصن المرأة بيتها إلا انه بعد نيل بلدنا المظفر لحريته، أصبحت المرأة تعاني من جانب آخر وهذا الجانب يعد أكثر قسوة بالنسبة لها من الذي واجهته في الحقبة الاستعمارية، بحيث أن المجتمع الذي كافحت وضحت من اجله بالغالي والنفيس أصبح يعاملهابعنصرية فاضحة تأتت في جل المجالات، على اعتبار أن مجتمعنا هو مجتمع ذكوري رجولي بالدرجة الأولى، حسب ما كان سائدا ولازال إلى يومنا هذا، بحيث أن حصول المرأة في كثير من الأحيان على منصب عمل أو حتى مجرد تقدير يكون بالموازاة مع نظرة ممزوجة بالاحتقار والشفقة، في حين أن المرأة لم تحصل على ذلك بفضل المن وإنما بفضل اجتهادها ومثابرتها. ففي كل خطوة كانت تخطوها بهدف إثبات وجودها ومكانتها داخل المجتمع، كانت تصطدم بتلك العقلية الرجعية التي لا تنظر إلى المرأة كفرد له إحساس، مطالب وطموحات، وإنما كعبد يجب أن يظل تحت الرقابة والسلطة الذكورية باعتبار أن المكان الأصلي و«حصن المرأة بيتها”، لذا لا يجب أن تخرج للعمل أو أن تقوم بأي دور خارج المنزل. ولم تقتصر هذه النظرة السلبية على المجتمع فحسب وإنما شملت النظام الحاكم أيضا، والذي كان يتميز بالاتجاه الأحادي، بحيث أنه لم يكن يولي المرأة أي أهمية أو دور داخل المجتمع عدا دور الأم المربية، البنت والزوجة وهو ماساهم بشكل كبير في طمس كيانها وشخصيتها الاجتماعية، إلا أنها كانت دائما حاضرة متحدية بذلك كل القيود التي وضعت لها. العشرية السوداء لم تنجح في طمس كينونتها إلا أن ما زاد الطين بلة هو معاناتها من ويلات العشرية السوداء، أو ما يسمى ب«سنين الجمر” التي احترقت فيها المرأة من كل الجوانب، وخاصة من الناحية الاجتماعية سواء في المناطق الريفية أو المدن، على الرغم من أنها كانت أكثر حدة في الأرياف. إذ كانت النساء تضطهدن دون علم احد بذلك، فكانت عرضة للتهديد،العنف الاغتصاب، الاختطاف وحتى التقتيل من قبل الإرهابيين الذين تعمدوا فعل ذلك لعلمهم بان المرأة في المجتمع الجزائري هي الأساس والركيزة التي ينبني عليها استمراره، لذا فأن أحسن طريقة لضرب استقرار بنيته وعلاقاته الاجتماعية تتمثل في محاصرة المرأة والتضييق عليها بكل الطرق، إلا أنها رغم كل تلك الدموع والمآسي التزمت بالصمود والصبر الممزوج بالكثير من التنهدات والحسرات، لان المرأة في تلك الفترة كان يجب عليها الالتزام بجملة من الضوابط التي قام هؤلاء السفاحون في تلك الفترة برسمهالها، وان قامت بتجاوز أي منها فإنها في هذه الحالة ستكون قد حكمت على نفسها بالموت، وخاصة فيما يتعلق بارتداء الحجاب، الدراسة وخوض غمار العمل. إلا أن المرأة الجزائرية على الرغم من كل التضييقات والممارسات التي كانت تهدف إلى طي شخصيتها، مواهبها و طموحاتها لم ترض بأن تكون مجرد رقم في التعداد السكاني، أو اسم في الدفتر العائلي وإنما زادها ذلك إصرارا لتتخطى جل العواقب. نجاحات كللت كفاحاتها لم تذهب تلك الكفاحات والتضحيات في مهب الريح، وإنما وجدت لنفسها طريقا للنجاح رغم شوائب الماضي التي لا تزال تطبع نظرة المجتمع الذكوري لها، لأنه و إن كنا في 2013 ووصلت العديد منهن إلى اعلى المراتب في كل المجالات وخاصة عسكريا كعرجون فاطمة الزهراء، التي تعد أول جنرال في العالم العربي ككل، بالا ضافة إلى “لويزة حنون”التي دخلت غمار الترشحات الرئاسية لمرتين على التوالي ولازالت العديد من مثيلاتهن في الوزارات المهن التي كانت حكرا على الرجال كالميكانيكية “فاطمة” بولاية المدية،اي انها أصبحت تزاحم الرجل في تحمل مختلف المسؤوليات وأداء أصعب المهام، فإن النقاش حول المرأة الجزائرية ودورها في المجتمع لا يزال قائما، في حين أن ذلك لا يجب أن يكون بدليل أنها أثبتت كفاءتها من خلال قدرتها على تجاوز مختلف الحواجز التي رسمت لها من قبل بعض المتعصبين، وخاصة الرجال الذين ينظرون اليها دائما على أنها “ناقصة عقل”، ويجب وضعها باستمرار تحت المجهر في انتظار ارتكابها لأي خطإ وان كان بسيطا لكي نحاسبها عليه، ونظهر لها بأن نظرتنا إليها صائبة.إلا أنها بالرغم من ذلك تمكنت من اقتناص مكانتها داخل المجتمع، في حين أن ديننا الحنيف قد كفل لها حقوقها منذ زمن طويل، من خلال تسميته للعديد من السور بأسمائهن كسورة “مريم، المجادلة والنساء”. واحتفال المرأة الجزائرية المسلمة ب8 مارس يوصل فكرة أن المرأة قد وضعت في قفص الاتهام لتدافع عن حقوقها ومواهبها، في حين أن حقوقها مكفولة في ديننا، كما أكد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بإعلانه أن الرجولة الحقة في إكرام المرأة “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”، لأن المجتمع يحتاج إلى عمل المرأة في مختلف المجالات، ولكن دون تقويض للمجتمع أو مساس بأهمية دورها في الأسرة.