يصعب على بعض التلاميذ الجدد التأقلم في الدراسة بسبب ارتباطهم الوثيق بأمهاتهم من جهة، ولتعودهم على محيطهم الأسري فقط من جهة أخرى، فبعد مرور حوالي أسبوعين من الدخول المدرسي مازالت بعض الأمهات يواجهن صعوبة في التعامل مع الأبناء الرافضين للدراسة، ويستمرون في البكاء حتى داخل الأقسام ويرغبون في العودة إلى البيت ما يسبب إزعاجا للمعلمة والتلاميذ، وهذا الوضع بات يضع كل أم في ورطة، فلا تستطيع إرجاعه معها إلى المنزل ولا إسكاته. هي ظاهرة نلحظها كل سنة رغم النصائح والإرشادات التي يقدمها المختصون للأهل كل سنة، إلا أن طبيعة بعض الأبناء الذين يجدون صعوبة في الاحتكاك بالآخرين هي السبب التي تجعل الطفل يبكي في أول أيام الدراسة؛ ولكن استمرار الوضع لفترة تفوق الأسبوع تجعله أمرا لا يحتمله الأهل ولا المدرسة، وللاطلاع على الموضوع عن قرب توجهنا لبعض الابتدائيات بالعاصمة وقد وجدنا اختلافا بين الأطفال، فمنهم من يرغب في الدراسة، واقتنع في الأخير بالوضع، فتراه يسارع إلى الدخول للمدرسة رفقة زملائه الذين تحولوا إلى أصدقاء جدد بالنسبة له وهذا ما يجعله يتوجه إلى قسمه بضحكات متعالية ك»أسامة» الذي تحدثت إلينا أمه وقالت: «تقريبا أصبح لا ينام الليل، فهو ينتظر بزوغ الشمس بفارغ الصبر، لدرجة أنه أصبح ينام و و يعانق الملابس التي عليه ارتداءها في الغد مع المئزر، بعد أن كان يدخل وهو في حالة يرثى لها من البكاء الشديد»، وتواصل كلامها: «مِن حالات الذعر التي كانت تصيبني حين أشاهده في ذلك الوضع وهو يبكي ويصرخ ولا يجيب أي أحد منا، لا أنا و لا حتى والده، كنت أخاف كثيرا من تأزم الوضع، ولكن مع أخذي بالنصائح التي اقترحتها علي إحدى الأخصائيات النفسانيات التي التقيتها أمام المدرسة، فقد تغير ابني كثيرا بعد ذلك لدرجة أنه هو من يطلب مني الذهاب و لست أنا التي أرغمه على ذلك، والحمد لله على ذلك». وبالمقابل وجدنا أطفالا آخرين مازالوا يرفضون الدخول للمدرسة، كحالة تلميذ يدرس في السنة الأولى ابتدائي والذي وجدناه أمام باب إحدى ابتدائيات بلدية جسر قسنطينة، يرفض الدخول إليها، يبكي ويصرخ بإستمرار أمام الملأ، يتوسل أمه بإرجاعه معها، لا يرغب في الدراسة، وهمه الوحيد هو البقاء في البيت للعب مع أخوته الأصغر منه، رغم مرور وقت على انطلاق الدراسة، وبالتقرب من الأم أخبرتنا قائلة : «بعد مرور الوقت، جل التلاميذ تقريبا إعتادوا على الوضع، إلا ابني الذي بقيّ على رأيه ومتشددا في قوله «لا أريد الذهاب إلى المدرسة، فأنا لا أحب الدراسة، هذه هي عبارته دائما والتي أصبحت أكره سماعها»، و تواصل كلامها قائلة «فمنذ يومين أخذته إلى المدرسة وأدخلته بنفسي إليها، ورجعت، ولكن تفاجأت به وهو خلف باب المنزل، فبعد أن فتحته صدمت للأمر، وهو فرح مرددا «لقد هربت من الحارس. لم يرني أحد»، هذا الموقف أصبح يؤرقني، وأخاف كثيرا من تأزم الوضع وخروجه عن السيطرة». وليس بعيدا عن هذه العينة، التقينا أمت أخرى تحاول إسكات أبنتها الملتصقة بملابسها، وتغريها بالدخول مقابل شراء لها ما تريد من اللعب والحلويات، بالإضافة لإعطائها بعض النقود.كثيرا ما تضطر الأم التي يرفض ابنها الدراسة إلى استعمال أساليب التهديد معه وتخبره بأنه سيتعرض للعقاب إن أصر على رأيه، وقد تقوم بضربه بعنف وإرجاعه إلى البيت فيمر عليه يوم أسود لا وجود فيه للكلام الطيب والمعاملة الحنونة، وإنما عتاب ولوم من طرف الجميع، معتقدين أنهم بهذا الأسلوب يتمكنون من إقناعه، وهو في الواقع أسلوب يرغم الطفل على تقبل الواقع، وقد يحمل في طياته نتائج عكسية تعقد الوضع ولا تحسنه، وهذا ما يستدعي أحيانا عرض التلميذ على أخصائيين ليساعدوه على ذلك وليقدموا للأهل الأسلوب الأنجع في التعامل معه. ولأخصائيي علم النفس ما يقولونه حول الموضوع، وذلك لتحسين الوضع النفسي للطفل وتحبيبه في الدراسة، والابتعاد عن إرغامه مباشرة عليها، كما تقول الأخصائية النفسانية «فاطمة»: «يجب تحبيب الدراسة للطفل وعدم إرغامه عليها، من خلال تهيئته نفسيا للوضع الذي تغير فيه نمط حياته، كما يجب على الأم أن تعرف بالمدرسة التي سوف يدرس فيها، وتشرح له طريقة الدراسة لتسهل عليه الوضع في التآلف مع الوضع»، كما تطرقت إلى ضرورة اشتراك الطفل في اختيار ملابسه وأدواته المدرسية، والمحافظة على ذلك. كما أكدت أن للمعلمة دورا أساسيا أيضا في هذا الوضع والذي يجب عليها أن تتعامل معه بحرص شديد، إذ أنها يجب أن تظهر خبرتها في التعامل مع هذه المواقف، لكي تصبح بمثابة الأم الثانية له، في حين لا يجب أن تقوم بتعنيفه، وضربه أو الصراخ عليه عندما يبقى مصرا على رأيه في الرفض، وبالمقابل عليها أن تبحث عن الأسباب التي جعلته يرفض أي أمر لتعرف كيف تتعامل معه. وتطرقت أيضا إلى اختيار الأحسن من قبل الآباء للمدرسة التي سوف يدرس فيها ابنهم، لأن هناك بعض المعايير التي لابد أن يراعيها الآباء حين اختيار المدرسة التي سينطلق منها مشوار أبنائهم الدراسي مثل أن تشكل نوعا من الراحة للطفل فيشعر بأنه لن يتعرض فيها للأخطار، وأن تحتوي على الحجرات المخصصة للأنشطة المتنوعة، التي يشعر الطفل فيها وكأنه لم يخرج عن عالمه، فهو ينضم لمختلف النشطات، ويرى بأنه يملك وقتا خاصا باللعب، كما يجب أن تحتوى على الزهور والحديقة حتى تدخل البهجة على نفس الطفل ويتخيل نفسه وكأنه في حديقة للعب.