يرجع الأخصائيون النفسيون، الأمراض النفسية وفي مقدمتها الانهيارات العصبية إلى العديد من المشاكل وبالدرجة الأولى إلى المشاكل الأسرية وتفكك العلاقات داخلها من جهة، والسلوكيات التي لا تتماشى مع ديننا الحنيف وسيرة نبينا الحبيب التي لا يلتزم بها البعض الآخر من جهة ثانية، ولتسليط الضوء على مثل هذه الحوادث، اتصلنا بالسيدة دواودة لانية أخصائية نفسانية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي. تنتشر كثيرا بمجتمعنا في الوقت الحاضر حالات لأشخاص تعرضوا للانهيار العصبي، والذي تختلف حدته من شخص لآخر وذلك حسب شدة الصدمة التي تعرض لها المريض، وللتعرف على أسباب الانهيار العصبي بشكل أدق من خلال التعمق فيه ومعرفة الأسباب المؤدية إليه، وأيضا لتقديم الطريقة المناسبة للعلاج، ارتأينا الاتصال بالإحصائية النفسانية دواودة لانية والتي قدمت لنا معلومات قيمة عن هذا المرض. فقد أشارت أن الانهيار العصبي هو الحالة التي تصيب الإنسان لما يتعرض إلى صدمة نفسية، والذي يقوم بالأفعال التي تعبر عن أعراض الحالة النفسية المضطربة، فتقول »الإنسان لما ينهار كل شيء لديه، وتسد الأبواب في وجهه، يصبح وكأنه في نفق ضيق، بدايته تحتوي على جميع اهتماماته بالأشياء ك: الحياة، الأكل والشرب، اللباس، دراسة عمل، زواج، وغيرها من الاهتمامات، وكلما اختفت إحداها يضيق النفق، إما بالتدريج أو دفعة واحدة، فتقل اهتماماته بعلاقاته مع الآخرين، وتتغير رؤيته للمستقبل، فتنتابه نوبات بكاء، وتظهر عنده اضطرابات في النوم، لتبدأ علامات القلق بالظهور عنده، وبتفاقمها يحدث الانهيار«، وأعطت مثالا عن ذلك كذهاب إنسان عادي مع آخر مصاب بالمرض إلى مكان معين لمشاهدة غروب الشمس، فكل الناس ترى جمال المنظر، إلا هو، فكل إنسان حسب حالته النفسية. الفشل غير المتوقع، الطلاق المفاجئ، موت الحبيب، الأمراض الهرمونية من الأسباب التي تؤدي للانهيار وتؤكد محدثتنا أن الأسباب الرئيسية المؤدية للانهيار العصبي، هي التفكك الأسري ( طلاق، إعادة زواج الآباء ...) بالدرجة الأولى، وأيضا مرض الأولياء أو وجود مريض عقلي داخل البيت فتقول »الأسرة تعيش حياة غير عادية في حال وجود مريض يعاني من اضطرابات عقلية داخلها، وأيضا للمدرسة دور أساسي في تربية الأطفال والتأثير على نفسيتهم»، كما أشارت أن الانهيار العصبي يأتي بعد الفشل الذي لا يتحمله الفرد في الدراسة أو في العمل، أو بعد طلاق الزوج لزوجته بأسلوب مفاجئ ودون سابق إنذار، ثم ينزع منها كل شيء ويتركها كما قالت »قفة بلا يدين«، كما تأتي حالات الانهيار بسبب فقدان إنسان عزيز وعدم تقبل الفراق، خاصة في حالة الوفاة، كما أنه يحدث للوالدين اللذين يتعرضان لعقوق، حيث تقول »يقوم الآباء بتربية الأبناء بأحسن صورة، يخطبون لهم ويزوجوهم ويشرفون على كل ترتيبات العرس، وبعد الفرح يذهب بعض الأبناء ولا يولون أهمية للآباء ولا يبالون بشعورهم بتاتا«، وأحيانا تصيب الشباب الذين يريدون الزواج من الطرف الآخر، لكن يجدون صعوبات جمة إما من قبل الآباء أو من أفراد آخرين، ولا يتحملون الهزيمة، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابتهم بانهيارات عصبية، وأيضا يأتي بعد الولادة بالنسبة للمرأة الحامل التي عليها أن تكمل مشوارها في تربية الرضيع، ولم تنس ذات المتحدثة العلاقات العاطفية (حب، خطبة) الفاشلة تؤدي إلى ذلك، وأوضحت أيضا أن هناك حالات عديدة لفتيات أصبن بانهيار عصبي بعد تعرضهن للاغتصاب داخل الأسرة والذي يصنف ضمن زنا المحارم، وهروبا من البيت بحكم أنه الحل الوحيد لدى أغلبهن، فتجد أكثرهن لا يستطعن العيش في الشارع، الأمر الذي يسبب لهن أزمة الخوف الشديد التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الإصابة به، أو الدخول في عالم المخدرات، فالمدمن عليها أيضا قد يدخل عالم الأمراض العقلية من بابه الكبير، وقد ركزت على نقطة التخلي عن تعاطي المخدرات من طرف المدمن ومن دون استشارة الطبيب، وهذه العملية تؤثر على نفسيته، كما تؤثر على الأشخاص الذين كانوا في يوم ما أطفالا، وشهدوا كل أفراد أسرتهم مثلا قتلوا أمام أعينهم، أو من خلال مشاهدهم أيضا لجريمة اغتصاب جماعي لأمهاتهم أو أخواتهم، فهي تؤثر عليهم أيضا، «هي حالات كثيرة شاهدناها لأطفال حطمت نفسيتهم بعد ما فعله المستعمر بهم، أو بعد العشرية السوداء وما تضمنتها من أفعال سيئة تقشعر لها الأبدان«. كما أكدت دواودة لانية أن حتى طريقة إخبار الطبيب للمريض الذي يعاني من مرض خطير مثلا »السيدا، سرطان...« من أن موته قريب ؤثر عليه ويجعله غير قادر على مواجهة المرض، فقالت: »من خلال إخباره بطريقة مفاجئة سوف ينهار ولا يتقبل العلاج وتناول الدواء، الأمر الذي يقرب أجل المصاب في العديد من الأحيان«، واعتبرت الأمراض الهرمونية المتعلقة بالغدد كالغدد الصماء والغدة الموجودة فوق الكلى، من الممكن أن تكون سببا في بعض الانهيارات العصبية لقولها »الأفراد الذين يعانون من اضطرابات في الإفرازات الهرمونية الموجودة في الغدد يحتمل إصابتهم بانهيارات عصبية«، كما أشارت في الأخير أنه من الممكن الإصابة به وراثيا أو جينيا، لأنه يأخذ كل واحد شيئا ما من أبويه. العلاج الكيميائي والمتابعة الأخصائية أحسن علاج للانهيار العصبي وتؤدي كل هذه الأوضاع إلى الإصابة بالانهيار العصبي، والذي يكون علاجه حسب الأخصائية النفسانية دواودة لانية بالعلاج الكيميائي، أولا »المريض عليه أن يذهب إلى المختص الذي يشخص له المرض ويعرف ما هو الدواء الملائم لتلك الأعراض التي تصيبه، والذي يولي المريض متابعة طبية خاصة، ولكن يجب في نفس الوقت متابعته أخصائيا، لأنهما يسيران معا، فالأولى تكمل الثانيةو لا يمكن الاستغناء على أي واحدة منهما«، وأكدت أن بإرجاع المريض المنهار عصبيا إلى التاريخ النفسي الاجتماعي للحالة التي كانت سببا في مرضه، ثم يتابع بالتدقيق من قبل الطبيب لكي يراجع بنفسه الأمور ويفهم مشاكله و لصعوبات التي تعتريه، وفي هذه المرحلة يكون له الوعي والشعور الذي يجده نفسيا ويعيد له طاقته من العيادة النفسية. كما تطرقت أيضا إلى أن هناك علاجا غير طبي، والذي يستعمله البعض في مكافحة الانهيار العصبي، حيث قالت: »إن البعض الآخر يُعالِج المريض بطرق غير طبية، كالعلاج بالضوء، الموسيقى، القرآن، الترويح عن النفس من خلال السفر إلى الأماكن التي تساعد في ذلك، أو من خلال مواجهة الأشخاص المنهارين عصبيا لأسباب هذا الانهيار مثلا مواجهة الزوج الطليق، أي مواجهة المشكل الرئيسي الذي أدى إلى ذلك«. أربع نقاط أساسية تحدد حتمية نجاح العلاج واحتواء المريض أهم عنصر ومن حيث مدة العلاج وحتمية نجاحها، فقد أرجعت هذه النقطة إلى كل حالة ولها علاجها الخاص، فكل مريض يدرس حسب «حدة الانهيار الذي وقع فيه، والمدة الزمنية التي بقي فيها بدون استشارة الطبيب، أي الوقت الذي استغرقه قبل الذهاب للعلاج»، وأيضا إلى بنية شخصيته. وفي الأخير فقد ركزت على نقطة »الاحتواء« المهمة جدا والمعروفة بهذا الإسم لدى علماء النفس فقالت: »مدى احتواء الناس المحيطين بالمريض من خلال مساعدته ومساعدة الأخصائيين أيضا في علاجه، يسرع في علاجه، فكلما احتضنت الأسرة المريض وساعدته على الوقوف مجددا، فهذا العمل يؤثر على نفسيته ويعمل على علاجه قبل أوانه والعكس صحيح«، وتواصل كلامها: »ولا يمكن أن نعتبر الأسرة هي الطرف الوحيد على مساعدة المنهارين عصبيا، فكل شخص يعرفهم من قريب أو بعيد يمكنه مساعدتهم«. ويبقى الانهيار العصبي الذي يمكن اعتباره القنبلة الموقوتة التي ستنفجر في أي وقت، حالة تحصل نتيجة تراكمات للأحداث التي لا يستطيع الشخص احتمالها والتي تستدعي اللجوء لمختص في علم النفس بمجرد الشعور بحدوث تغيرات في الحالة النفسية للفرد.